والصوت سواء اختلف باعتبار القارع والمقروع كخشب وحديد وذهب ورصاص أو اتحد كالصادر من الاجرام المتصاكة وبالذوق الطعوم التسعة، وأما اللمس فالمدرك به الكيفيات الأربع الخشونة والنعومة والخفة والليونة ونظائرها.
* (فروع: الأول) * لا يتغير الادراك من محله مطلقا كما سيأتي في القوى وإنما تنافيه العوارض.
(الثاني) لا يدرك بالحاسة غير ما اختصت به والقول بجوازه خروج عن الموضوع العقلي وهذا باعتبار ما وقع لا بصلاحية قدرة المختار (الثالث) لم تقف الحكماء على حقيقة الفارق بين أنواع المدركات باعتبار مشخصاتها وما في النفس من التفصيل فلا سبيل إلى التعبير عنه ألا ترى أن الحلاوة في نفسها نوع يندرج تحته السكر والعسل والزبيب والتمر إلى غير ذلك ومتى طلب الفرق بين هذه تعذر لان الزيادة الظاهرة في العسل بالنسبة إلى السكر ليست راجعة إلى الحلاوة بل الحرافة فان العسل حريف يحذو اللسان ويقطع اللزوجات وكذا القول في المسك والعنبر إلى غير ذلك.
(الرابع) هل تختلف الحاسة التي تجمع ذلك باختلافه أو تتكيف بحسب الوارد خلاف لم أقف على حقيقته وسيأتى أنهم أجمعوا على أنها واحدة وسنشير إلى ذلك في القوى هذا ما يتعلق بتشريح الظاهر من البدن بسيطا ومركبا.
[القول في تشريح الباطن] وذكر ما أودع الحكيم فيه من آلات الهواء والغذاء ودقائق تأليف ذلك. اعلم أن الحيوان لا بقاء له بدون ما تأداه من الهواء والغذاء والشراب، ليعدل بالهواء مالولاه لا حترق به من الحرارة ويخلف بالثاني ما تحلله الحركة ونحوها من أجزاء البدن ويوصل بالثالث الغذاء إلى غاياته. فان قيل نجد من الحيوان ما يعيش العمر الطويل بغير الماء كالظباء السندية والنعام الوحشية فلو كان ضروريا لما جاز ذلك قلنا لا شبهة في أن غاية الماء ما ذكرناه كما سيأتي فإذا جاز الايصال والتصريف بغيره لعارض جاز الاستغناء عنه ولا شك أن الظباء المذكورة لا تغتذى بغير النبات السريع التحلل فيكفي فيه حركتها والهواء، وأما النعام فحرارتها الغريزية الشديدة الاشتعال لا تبقى ما يتكثف، ولما كانت عناية الحكيم تعالى وتقدس مصروفة إلى بقائه مدة ينقضى فيها ما خلق له لاجرم ركب في باطنه أعضاء قائمة بها قوام البنية وبها تتصرف فيما هي له وأول هذه الآلات فضاء الفم حصنه بالشفتين المشتملتين على انطباق وانتفاخ وحركة محكمة وجعله حساسا أملس يشعر بالمنافى فيلقيه ولا يمسك الطعام في أجزائه فيتغير وقدره في كل حيوان بحسبه كعظمه في عظيم الجثة ليقدر على أخذ ما يقوم به فلذلك أماط عنه الأسنان في الطير لئلا تكون عائقة له عن اختراق الهواء وعوضه المناسر الخفيفة وطول العنق الموجب لقدرة الطيران وزينه في غيره بها لتكون عونا على سحق الأجسام الصلبة التي لو وصلت بدونه لاوجبت فساد الآلات وباللسان للإدارة والازدراد وأوصل غشاءه بغشاء المرئ مماسا لينزلق الطعام والشراب وغطى مسلك الهواء عند البلع لئلا يسقط فيه من الطعام والشراب شئ فيهلك الحيوان وجعل مجرى الهواء صلبا لأنه لطيف لا يزدحم ومجرى الطعام لينا ليطاوع فيتسع للجرم الكبير ويضيق في الصغير وزاد في غريزية ما عدم الأسنان لتقوم مقامها كذوات الحواصل كل ذلك من دقائق الحكمة، وداخله اللهاة وهى لحم رخو يشكل الصوت ويعدل الهواء. إذا عرفت ذلك فاعلم أن داخل الفم كما ذكرناه منفذين أحدهما مجرى الهواء وأوله رأس الحنجرة من ثلاثة غضاريف أحدها الترس مستدير غير تام ومقابله غضروف يعرف بالذي لا اسم له والثالث يسمى الطر جهان ينطبق عليها عند الحاجة ويصير هذا الشكل كدائرة ناقصة ويغشيه غشاء أملس من داخله تقعير