تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ٣ - الصفحة ٧٨
ولا بالانحلال الكلى المحكم بالنهاية من لدن البداءة فتعين الأول وحينئذ إما أن يكون بالمناسب أو بالمضاد لا سبيل إلى الأول على الاطلاق وإلا لجاز تدبير الصفراء بنحو العسل والبلغم بنحو اللبن ولا نقض بالخواص لأنها واردة على غير الطبائع وسيأتى كونها معللة وإلا فتعين الثاني وعليه يلزم عكس ما قالوه في التعليل، والذي أراه أن اختلاف هذه الثلاثة مع الأعضاء راجع أولا إلى منافيها وقد عرفت أن الأعصاب للحس والحركة فما استغنى عنها كالشحم والعظام فلا حاجة إلى الكثير منها وإن الأوردة لجلب الدم والاخلاط للتغذية وجميع الأعضاء محتاجة إلى ذلك فتكون على هذا متساوية الورود إليه لكن الصحيح انقسامها بحسب العظم هي والمتوسط والصغير ما كان منها عظيما توفرت حصته وهكذا وإن الشرايين لجلب الأرواح والتبريد بالهواء وإخراج الفضلات الدخانية فما كان من الأعضاء شديد الحاجة إلى ذلك توفرت حصته منها كآلات النفس وإلا فلا، وهكذا يجب تعليل من دقت صناعته وخفيت أفعاله وإلا فالتسليم بالعاجز أولى وأسلم، ثم قد ينظر فيها ثانيا من حيث البعد والقرب وفيه دقة يطول بحثها مذكورة في المتعذر وجوده. إذا عرفت هذا فاعلم أن أصل الشرايين كلها عرق واحد ينبت من سائر القلب يتفرع الأيمن. لجذب الأغذية بما فيه من الأوردة السابق ذكرها، وهذا العرق يسمى باليوناني أورطا أعنى التحرك بالحياة والعربية الأبهر ثم كما ينشأ ينقسم قالوا أصغرهما يرتفع في نصف البدن الاعلى وأعظمهما في السافل ولم يختلف في هذا القول أحد وعللوه بأن الأعضاء السافلة أكثر عددا فحصت بالجزء الأعظم، وهذا القول عندي مشكل جدا لان الأوردة إذا ذهب معظمها في السافل فتعليله متجه لأنها تحمل الغذاء وهو جسم ثقيل في الجملة وأعضاء الغذاء الأصلية كلها سفلية فتحتاج إلى مزيد الاختصاص بها، وأما الشرايين فموضوعها لحمل البخار والأرواح الشديدة الحرارة وجذب الهواء وكلها أفعال علوية ولا نزاع في أن الجزء موضوعه الاعلى لمامر وقد عرفت أن آخر أجزاء البدن الأرواح ولا حامل لها سوى الشرايين وأن السافلة غالبها غنى عن غالب أفعال الشريان فكيف يختص الاعلى بالأقل منه وهذا بحث لم أرفيه مساعدا ولم يقم عندي ترجيح ما أطبقوا عليه والله أعلم. ويمكن أن يحمل كلامهم على أن المراد بالأعظم الأكثر شعبا على أن ذلك فيه ما فيه، ثم إن أورطا كما ينشأ كساق الشجرة يرسل الشريان الوريدي إلى الرئة لجلب الهواء إليها وتعديلها بالحركة ويسمى الوريدي لمشابهة الأوردة في كونها بطبقة واحدة والحكيم أورده كذلك عناية بهذا العضو الخفيف كما قرره المعلم. وأقول أيضا إنما كان كذلك لأنه في هذا اللحم الرخو دائم الترطيب فلا يخشى شقه بخلاف غيره ثم يرسل أورطا شعبة إلى جانب القلب الأيمن وأخرى تدور حول القلب ثم يصعد الاعلى مارا في الحجاب والصدر حتى يحاذى العنق والكتف فيفرغ فيهما شعبا يمر غالبها في اليد وأكثرها يخالط الأوردة خصوصا الباسليق ومن ثم يجب الاحتياط في فصده والأعلى منها يمر على الرسغ وهو النبض الذي يجس الآن وأكثره يغنى في الكتف ثم يصعد فيكون منه الوداج الظاهر والغائر كما مر ومن الغائرين يتفرع الشريان السناني ثم يخالط شعبة الأوردة فينتسج مع الشبكة السابق ذكرها ويرتفع باقيه فيفنى في بطون الدماغ وجالينوس يقول إنها تعود فتخالط العظم اللامى وتنسج مع العروق السواكن وهذا يشبه أن يكون غير صحيح لعدم الفائدة فيه وأما نصفه النازل فكما يجاوز القلب يتشعب بين الفقرات والخرزات ويذهب في العجز بعدما يرسل إلى الطحال والكلى والأنثيين شعبا بقدرها لكن شعبه في الجهة اليسرى أعظم عكس الأوردة وفى كل موضع يكون أوثق بالأغشية عناية بالشرايين لشرفها حتى إذا بلغ أصل الفخذ عادت شعبه إلى الأيسر من
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 صفة خواتم الملوك السبعة وبخوراتهم 4
3 حرف الياء 5
4 حرف الكاف 6
5 فصل في الحد والموضوع 7
6 فصل في أولها وهي العناصر 7
7 فصل في ثانيها وهو المزاج 8
8 حرف اللام 14
9 حرف الميم 16
10 فصل في العلامات الدالة على تغير المزاج 29
11 حرف النون 43
12 حرف السين 53
13 الفصل الأول في سبب انقسامها وانحصارها 53
14 فصل في النواميس وكيفية أعمالها 62
15 فصل في المحاريق وكيفية أعمالها 65
16 فصل في التعافين 65
17 فصل في المراقيد 67
18 فصل في عمل النيرنجيات 67
19 باب في الإخفاء 68
20 حرف العين 70
21 علم الحرف 89
22 في معرفة التصرفات بالأوفاق العددية واستخراج الأعوان العلوية 93
23 فصل في استخراج أسماء الملوك العلوية وأسماء الأعوان السفلية 94
24 علم منازل القمر وما يتعلق به والكواكب وما يتعلق بها وغير ذلك 101
25 فصل في أن الآدمي فيه شبه كل شيء من العالم السفلى والعلوي 104
26 فصل في ذكر ملحمة مباركة على الكواكب السبعة السيارة 106
27 فصل في الأوقاف السعيدة والأوقات النسخة وساعاتها 111
28 باب في ذكر التهاييج 113
29 حرف الفاء 127
30 حرف الصاد 138
31 حرف القاف 144
32 حرف الراء 147
33 باب فيه نكت وغرائب في ضرب المسائل لمن أراد سفرا أو غير ذلك 169
34 فصل في معنى الولد والبحث عنه ذكر هو أم أنثى 169
35 فصل في معرفة الضمير 169
36 فصل في الخصومة 169
37 فصل في السفر البحر 169
38 فصل في صفة سؤال المريض عن مرضه 170
39 باب المفردات والكلام عليها 170
40 فصل في إخراج الاسم 171
41 فصل في معرفة الوضع 172
42 حرف الشين المعجمة 172
43 حرف التاء المثناة 179
44 حرف الثاء المثلثة 181
45 حرف الخاء المعجمة 182
46 حرف الدال المعجمة 183
47 حرف الضاد المعجمة 183
48 حرف الظاء المعجمة 183
49 حرف الغين المعجمة 184
50 خاتمة في نكت وغرائب ولطائف وعجائب 185
51 فصل في كيفية هضم الغذاء وفساده 191
52 فصل في مقدار الماء الذي يشربه المهموم عند العطش 191
53 فصل في الفصد والاستفراغ والجذب ودوائها 191
54 فصل في المعاجلة بالدواء الواحد خير من المعاجلة بالمركب 192
55 فصل في كان حكماء اليونان إذا أشكل عليهم حال المريض خلوا بينه وبين الطبيعة 192
56 فصل إذا قال الأطباء كزرة يابسة فمرادهم حشيشتها لا بزرها وفوائد مختلفة 192
57 فصل في كيفية محبة الرجال والنساء 192
58 فصل في علاج من سقى المرتك 193
59 دعاء آخر السنة 196
60 فصل في التحييرات المجربة 197