فكيف يقع الطعن بها قلت الوارد حفظها من الشياطين لا مطلق الجن كما في الحديث فلا معارضة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا معارضة بين أسبابه الشرعية والحكمية عندي لانى أقول قد وقع الاجماع من مثبتي الجن بأن مسكنهم الأماكن الموحشة كالأودية والقبور ومواضع القتلى ولا شك أن الهواء وقت تحوله وبائيا يصير الفضاء كله موحشا فيظهرون كثيرا خصوصا مع نحوس الطوالع والقرانات لمشاكلة الروحانيات حينئذ لهم فان قيل كيف يجمع بين الأسباب الحكمية وبين ما روى عنه عليه الصلاة والسلام (إن الزنا من أسباب الطاعون) قلت هذا سهل لان الزنا يوجب غضب الله عز وجل وذلك موجب لاشد الوحشة المستلزمة لظهور الجن خصوصا وقد جعل السبب إفشاء الزنا لا مجرده.
فان قيل إذا ثبت هذا فقد ظهر أن الطاعون انتقام ومقاصة فكيف يقول عليه الصلاة والسلام (الطاعون شهادة لكل مسلم) قلت لا مانع إذا كان السبب أمرا والمسبب غيره وقد ثبت عموم البلاء وخصوص الرحمة والحديث يؤيده فإنه لم يسكت عن قوله (الطاعون شهادة) بل خصص هذا العموم، ولنا أن نقول قياسا على قوله (تقيكم الحر) يعنى والبرد كما أجمع عليه أئمة التفسير وأن المعنى هنا والله أعلم ونقمة لكل منافق أو كافر وأراد بالمسلم الجنس والحقيقة لتدخل الإناث. وأول متضرر به من لم يألف مزاج أرضه ويشهد لذلك قوله عليه الصلاة والسلام (الطاعون رجز أرسل على طائفة من قبلكم أو على بني إسرائيل فإذا كنتم بأرض وهو بها فلا تخرجوا منها أو كنتم خارجها فلا تدخلوا عليه) على ما فسره الجمهور من أن ذلك تحذير لهم من مفارقة المرض المعدى واستدل لذلك بحديث (إن من القرف التلف) وهذا ظاهر في النهى عن الدخول على الطاعون وباقي الحديث ينقضه وإن قيل إنه جمع بين التسليم والحذر ليطابق حال الناس فإنهم فريقان والأوجه أن ورود الحديث حذرا من وقوع الفتنة وسدا لما عساه أن يفسد العقيدة في الجزم بوقوع المقدر فان الناجي يعتقد النجاة بفراره والهالك الهلاك بفراره ولا يرد ناج ميت لجواز تكيفه به قبل خروجه ولا عكسه لجواز أن يكون سوداويا ويؤكد كونه للفتنة قول ابن مسعود (الطاعون فتنة للفار والقار) وكيفية الموت به انعكاس الدم إلى المواد السمية فيتأدى إلى القلب كما يقع في السموم ومن ثم يلزم القاتل منه الحمى والقئ واسوداد المحل وكمودته وهو يلازم الوباء دون العكس والفرق بينهما ظهور نحو الخراج فقط إلا أن الأمراض في الوباء نوع واحد وفيه مختلفة كما زعمه قوم (العلاج) إذا علم أن السنة وبائية تهيأ من قبل بالفصد والحجامة وتنقية الاخلاط الحادة فإذا بدا الهواء بالتغير فلتهجر اللحوم والحلاوات وكل ما يولد الدم والحركة ويفترش الآس واللينوفر والطرفاء ويرش ماء العدس والخل والطين الأرمني ويعلق النارنج والبصل والنعنع والتفاح ويأكلها ويدخن بها ويمسك العنبر واللاذن والقطران ويستعمل البنفسج وما يكون منه مطلقا ويأخذ ما قل غذاؤه ومنع غليان الدم بتبريده كالفواكه والبقول والفول والعدس والرجلة ويدهن بدهن البنفسج والصندل والخل والكافور، ومن المجرب حمل الياقوت والمرجان قيل والزمرد، ومن المشهور تعليق الدرونج وهذا المعجون مأخوذ مما لم يعرب في الذخائر وهو مجرب لدفع السموم وتغير الهواء والوباء وقدر ما يستعمل منه ثلاثة قراريط ويحل في دهن البنفسج ويدهن به ما حول الانف وهو من أعظم المفرحات وينفع من الخفقان وينعش القوى والأعضاء الرئيسة وتبقى قوته عشر سنين. وصنعته: بنفسج ورد يابس نعناع مرزنجوش من كل عشرة طين أرمني درونج صندل بهمن أبيض كسفرة مجففة بعد نقعها في الخل من كل خمسة صبر زعفران طين مختوم مصطكي حب أترج مقشر بسد من كل أربعة كهربا طباشير