بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الناشر والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آل بيته الطاهرين وبعد، فإن أبا منصور الثعالبي واحد من أئمة اللغة والأدب الذين تفخر بهم الأمة العربية والاسلامية، نظرا لما خلفه الرجل من آثار جليلة وكتب قيمة تدل على سعة اطلاعه وعمق معرفته، ورفيع قدره وعظيم جهده.
ولد أبو منصور في نيسابور وإليها نمي، وكان في أول حياته فراء يخيط بجلود الثعالب فنسب إلي صناعته، ومن ثم اشتغل بالأدب واللغة والتاريخ فنبغ واشتهر وصنف عشرات الكتب الجليلة الممتعة، ولعل كتابه يتيمة الدهر أكثر كتبه شهرة وتداولا نظرا لأنه يقدم فيه ترجمة وافية لكثير من الشعراء المعاصرين له أو السابقين لزمنه بقليل، وهذه الترجمة وافية تختلف عما عرفناه في كتب الطبقات، لأنه يجمع فيها كل جماعة من الشعراء حسب بلدهم أو إقليمهم أو البلاط الذي سلكهم في عداده ومثال ذلك ما فعله بشعراء الشام وشعراء مصر من حيث الأقاليم، وبشعراء دولة بني حمدان وبلاط سيف الدولة في حلب وبني بوية في بغداد وأصبهان.
ولم يقتصر الثعالبي في اليتيمة على الترجمة المحصة والاستشهاد بالنصوص الشعرية، وبل نراه يورد آراء نقدية وقيمة وتعليلات أدبية تنم عن ذوق أدبي رفيع كما يعمد في كثير من الأحيان إلى المقارنة والموازنة بين من يترجم له، وبين غيره من الشعراء في الفن الشعري الذي برع فيه، ويكشف بلباقة وكياسة عن مدى تأثر الشاعر بغيره من السابقين والمعاصرين ويتعقب بحس