حصول العلم بقول الرجالي لا يكفي لصحة الاستناد، بل الرجالي لا يدرك إلا ما لا يورث شيئا، فلا بد من تحصيل الظنون المتراكمة حتى يحصل العلم بحال الراوي، وإلا فأصحاب الكتب الرجالية لا يكلفون بالشهود على أحوال الرواة، بل هم باستماعهم من المشيخة - غير المعلومة حالهم أيضا - قالوا: فلان ثقة، وهذا عندنا غير كاف، لعدم الدليل على اعتبار أقوالهم وتوثيقاتهم خصوصا، فكل خبر تضمن حجية خبر الثقة بنفسه مشكوك الحجية، ولا قطع بالنسبة إلى خبر معين - كما قيل - وهذا لا يورث دعوى إنكار العلم بوثاقة الرجال، لا نا نعلم وثاقة مثل محمد بن مسلم وزرارة وأمثالهما، وليس هذا إلا لكثرة المراجعة إلى أحوالهم وخصوصياتهم، وعند ذلك يجب تحصيل ذلك العلم بالنسبة إلى غيرهم أيضا، وإلا فالعمل بقولهم - مع حرمة الافتراء والكذب على الله تعالى ورسوله - غير صحيح.
أقول: ولعمري إنه ما كان يريد من هذه المطالب أمرا جديا، وإلا لما كان يقتدر على الافتاء إلا في مسائل نادرة جدا، فيعلم من رسائله العملية أن ارتكازه وطينته على خلاف مقالته، وأنه يعمل بالظن، فضلا عن المتراكم منه، وعن القطع والعلم. والذي هو التحقيق ما قررناه في محله (1).
ويتوجه عليه ثانيا: أن كون الشك تمام الموضوع لحرمة الافتراء