وفي مروج الذهب، قال المسعودي: والذي حفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانين خطبة يوردها على البديهة، وتداول الناس ذلك قولا وعملا (1).
أما ابن أبي الحديد فقد ناقش هذه الدعوى نقاشا مفصلا، فقال: إن كثيرا من أرباب الهوى يقولون: إن كثيرا من (نهج البلاغة) كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم، فضلوا عن النهج الواضح وركبوا بنيات الطريق ضلالا وقلة معرفة بأساليب الكلام، وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط، فأقول:
لا يخلو إما أن يكون كل (نهج البلاغة) مصنوعا منحولا، أو بعضه.
والأول باطل بالضرورة، لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم، والمؤرخون كثيرا منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك.
والثاني يدل على ما قلناه - أي ما نسبهم إليه من ضلال وقلة معرفة بأساليب الكلام - لأن من قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفا من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب، لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد، وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء، أو لاثنين منهم فقط، فلا بد أن يفرق بين الكلامين، ويميز بين الطريقتين.
ألا ترى أنا مع معرفتنا بالشعر ونقده، لو تصفحنا ديوان أبي تمام، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره، لعرفنا بالذوق