إلى أن قبض، بل كان الوحي قبل وفاته أكثر ما كان تتابعا.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان قوله: (ويستفتونك قل الله يفتيكم) آخرها نزولا، وكان ذلك من الأحكام والفرائض، كان معلوما أن معنى قوله:
(اليوم أكملت لكم دينكم) على خلاف الوجه الذي تأوله من تأوله. أعني كمال العبادات، والأحكام، والفرائض.
فإن قيل: فما جعل قول من قال: قد نزل بعد ذلك فرض، أولى من قول من قال: لم ينزل؟
قلنا: لأن الذي قال: لم ينزل مخبر أنه لا يعلم نزول فرض، والنفي لا يكون شهادة، والشهادة قول من قال نزل.
وغير جائز دفع خبر الصادق فيما أمكن أن يكون فيه صادقا. انتهى.
وهكذا تم نقض الرأي الأول، الذي أعرض عنه الكثير من أرباب التفسير، واتخذوا لأنفسهم مذاهب أخرى.
قال الطبري: وقال آخرون: معنى ذلك: اليوم أكملت لكم دينكم:
حجكم، فأفردتكم بالبلد الحرام تحجونه أنتم أيها المؤمنون دون المشركين، لا يخالطكم في حجكم مشرك.
وهكذا قبل هؤلاء أن يفسروا الدين بالحج، ولم يقبلوا بالرأي الأول.
ويبقى الرأي الأخير، الذي تعاضدت فيه الروايات الصحيحة الأسانيد، التي تصرح بنزول هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد المسير من حجة الوداع، وفي أثناء خطبة الغدير. وقد ثبت هذا من عدة طرق، رجالها ثقات، عن عدد كبير من الصحابة، منهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، وأبو هريرة.