لأن كتابة ورواية أحاديث الرسول - تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس!!! هكذا ورد بالمرسوم الأول لدولة الخلافة، وجاء بالمرسوم أيضا: (فمن سألكم عن شئ فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله)!!! فلم يعد بوسع أهل بيت النبوة، ولا بوسع غيرهم أن يروي حديثا أو يحتج بحديث إلا إذا كان هذا الحديث مؤيد لدولة الخلافة أو لسلوكها أو لاتجاهاتها، أو لسياساتها عندئذ يصبح هذا الحديث، أو ذلك سندا شرعيا لوجود دولة الخلافة، أو لسلوكها أو اتجاهها أو سياستها. كذلك لم يعد بوسع مسلم أن يكتب أحاديث الرسول، بل شجعت الدولة على حرق المكتوب من أحاديث الرسول، وبدأ الخليفة الأول بنفسه حيث كان قد كتب خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول، قالت أم المؤمنين عائشة فبات الخليفة يتقلب ولما أصبح الصباح أحرق الأحاديث التي كتبها فعلمت أم المؤمنين عائشة ابنته بأنه لن يعدل بكتاب الله شئ، ولما جاء الخليفة الثاني اشتد في هذه الناحية فناشد الناس أن يأتوه بكل ما كتبوا من أحاديث رسول الله، وظن الناس أنه يريد أن يدونها ويكتبها فجاءوه بها فلما وضعت بين يديه أمر بتحريقها، وكان يوصي جيوشه قبل توجهها للقتال بعدم التحديث عن رسول الله!! حتى لا يصدوا الناس عن القرآن الكريم!!
وكان يقرع بشدة الذين يحدثون عن رسول الله!! وكان يحبس بعضهم بتهمة الإكثار من التحديث عن رسول الله، وأحيانا يضرب بعضهم، لأنه لا يريد إلا القرآن، ولأنه مقتنع بأن القرآن وحده يكفي!! وقد سبقت هذه الحملة الرسمية حملة سرية قادتها بطون قريش، حتى والرسول على قيد الحياة، ونهت أولياءها من أن يكتبوا أحاديث رسول الله بحجة أنه بشر يتكلم في الغضب والرضى!!
والأخطر من ذلك أن سنة الرسول الثابتة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية صارت مجرد اجتهادات شخصية، وكان بإمكان الخليفة وبكل أعصاب هادئة أن يخالفها تماما، فالرسول مجتهد والخليفة مجتهد، ولا حرج أن خالف المجتهد مجتهدا مثله!!! فعلى سبيل المثال كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية لأن حاجات البشر الأساسية متشابهة، وهكذا فعل الخليفة الأول، ولما آلت الخلافة إلى الخليفة الثاني رأى أن الأنسب والأصوب عدم المساواة بين الناس في العطاء، بل عطاء الناس حسب منازلهم، فاجتهد وعمل جدولا للمنازل،.