فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ، أخ، ولكن قال الله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله (الحجرات / 9)، فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية.
فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.
فقال معاوية: من سمع هذا معك؟!
فقال: فلان وفلان وأم سلمة، فقام معاوية فسأل أم سلمة فحدثته بما حدث سعد، فقال معاوية:
لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادما لعلي حتى يموت أو أموت (1).
ونقل المسعودي في تاريخه مثل هذه المحاورة بين معاوية وسعد بن أبي وقاص. وذكر أن معاوية قال لسعد بعدما حدث بحديث المنزلة: ما كنت عندي قط ألام منك الآن، فهلا نصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فإني لو سمعت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل الذي سمعت فيه، لكنت خادما لعلي ما عشت (2).
وما رواه سعد بن أبي وقاص لمعاوية في فضل علي هو حديث واحد من بين مئات الأحاديث التي تصب كلها في مصب واحد وتهدف كلها إلى هدف واحد ألا هو أن علي بن أبي طالب هو الشخص الوحيد الذي يمثل الرسالة الإسلامية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يقدر عليها غيره، وما دام الأمر كذلك فجدير بكل المؤمنين الصالحين أن يخدموه طيلة حياتهم.
فليس قول معاوية بأنه لو سمع مثل هذا الحديث قبل اليوم لكان خادما لعلي ما عاش، إلا حقا يفتخر به كل مؤمن ومؤمنة.
ولكن معاوية لم يقل ذلك إلا استهزاء وسخرية من سعد بن أبي وقاص كي يشتمه باللؤم ويهينه، لأنه أمتنع عن سب علي ولعنه ولن ينفذ رغبته في ذلك.