لأن عبد الرحمان بن عوف يعرف أكثر من غيره بأن الخليفتين أبا بكر وعمر لم يحكما السنة النبوية، وإنما حكما باجتهادهما وآرائهما، وأن السنة النبوية على عهد الشيخين كادت تكون معدومة تماما لولا وقوف الإمام علي على إحيائها كلما سمحت له الظروف بذلك.
وأغلب الظن أنه اشترط على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة الشيخين، فرفض علي هذا العرض قائلا: لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله، فخسر الخلافة لأنه أراد إحياء سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفاز بها عثمان لأنه قبل أن يواصل درب أبي بكر وعمر اللذين صرحا غير مرة بأن لا حاجة بالسنة النبوية وإنما يكفي القرآن ليحللوا حلاله ويحرموا حرامه.
ويزيدنا يقينا صحة ما ذهبنا إليه أن عثمان بن عفان فهم من هذا الشرط أن عليه أن يجتهد برأيه في الأحكام كما فعل صاحباه، وهي السنة التي سنها الشيخان بعد النبي .
ولذلك نرى عثمان أطلق العنان لرأيه واجتهد أكثر من صاحبه حتى أفكر عليه الصحابة، وجاؤوا يلومون عبد الرحمان بن عوف قائلين له: هذا عمل يديك!
ولما كثرت المعارضة والإنكار على عثمان، قام في الصحابة خطيبا فقال لهم:
لماذا لم تنكروا على عمر بن الخطاب اجتهاده، ألانه كان يخيفكم بدرته؟.
وفي رواية ابن قتيبة: قام عثمان خطيبا على المنبر لما أنكر الناس عليه فقال : أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار لقد عبتم علي أشياء ونقمتم على أمورا، قد أقررتم لابن الخطاب مثلها، ولكنه وقمكم وقمعكم، ولم يجترئ أحد بملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إليه، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عددا وأقرب ناصرا (1).
وأعتقد شخصيا بأن الصحابة من المهاجرين والأنصار لم ينكروا على عثمان اجتهاده ، فقد ألقوا الاجتهاد وباركوه من أول يوم، ولكنهم أنكروا عليه لما عزلهم