فقد يلبس الباطل لباس الحق للتمويه والتضليل وقد ينجح في أغلب الأحيان لبساطة عقول الناس أو لحسن ظنهم به وقد ينتصر الباطل أحيانا لوجود أنصار مؤيدين له فما على الحق إلا الصبر وانتظار وعد الله بأن يزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
وأكبر مثل على ذلك ما حكاه القرآن الكريم في قصة يعقوب وأولاده، إذ {جاؤوا أباهم عشاء يبكون * قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (يوسف: 16 - 17).
وكان من المفروض لو كانوا أهل الصدق أن يقولوا: وما أنت بمؤمن لنا لأنا كاذبون.
فما كان من سيدنا يعقوب وهو نبي الله يوحى إليه إلا أن استسلم إلى باطلهم واستعان بالله على الصبر الجميل رغم علمه بأنهم كاذبون، قال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (يوسف: 18).
وماذا عساه أن يفعل أكثر من ذلك، وهو يواجه أحد عشر رجلا اتفقوا كلهم على كلمة واحدة ومثلوا مسرحية القميص والدم وكلهم يبكون على أخيهم المفقود.
فهل يكشف يعقوب كذبهم ويدحض باطلهم ويسارع إلى الجب ليخرج ابنه الصغير الحبيب لقلبه، ثم يعاقبهم على فعلتهم الشنيعة؟
كلا، إن ذلك فعل الجاهلين الذين لا يهتدون بحكمة الله أما يعقوب فهو نبي يتصرف تصرف الحكماء العلماء وقد قال الله في شأنه: وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون (يوسف: 68) فما كان من علمه وحكمته إلا أن تولى عنهم وقال ك يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم (يوسف: 84).
ولو تصرف يعقوب مع أبنائه كما قدمنا بأن أخرج ابنه من الجب وعنفهم على كذبهم وعاقبهم على جريمتهم لاشتد بغضهم لأخيهم ولوصل بهم الأمر إلى