طعن بالدولة التي شهدت بصحتها، وطعن بالرواة، وبما أن رواتها صحابة فإن الطعن بهم هو طعن مباشر بالدين الحنيف، فاضطر العلماء أو الرواة الجدد الذين انطلقوا بالفعل للبحث عن حديث الرسول وجمعه، اضطروا أن يعتبروا هذه المرويات الموضوعة والمختلفة صحيحة، لأنها صحيحة من حيث الشكل، وهكذا شهد العلماء والرواة المستقلون ضمنا بصحة تلك الأحاديث الموضوعة، فاعتبروها من المسلمات، أو من الحقائق الواقعية التي لا يمكن القفز عنها!!
لذلك أخذوا يبنون فوقها، ويضيقون عليها، ويستشهدون بها، بل صارت المرويات الكاذبة التي افتعلت في زمن بني أمية أقرب إلى الصحة شكلا من المرويات اللاحقة، فعمرو بن العاص مثلا كان يقول سمعت رسول الله يقول، وما أن يتم عمرو جملته حتى تتلقفها وسائل إعلام الدولة فتنشرها على الرعية بكل وسائل النشر والإعلان، لأن عمرو بن العاص من أركان دولة معاوية، وفي الوقت نفسه صحابي شاهد الرسول وجالسه وهو بحسب نظرية عدالة الصحابة صادق مصدق يمتنع عليه الكذب أو الغلط!!
وعندما رفعت الدولة الحظر عن رواية وكتابة الأحاديث النبوية بعد مائة عام من حظرها وبسبب الفارق الزمني، اضطر المعنيون بجمع الحديث إلى القول " حدثنا فلان، قال حدثنا علان، قال حدثنا زيد، قال حدثنا زيدان قال حدثنا عمرو بن العاص أنه قال سمعت رسول الله... ".
ولأن الأكثرية الساحقة من الرعية قد اقتنعت بصحة المرويات الكاذبة التي اختلقها الأمويون وأشياعهم، فقد وضعوا تحت تصرف الباحثين الجدد عن حديث رسول الله كافة تلك المرويات التي ورثوها، جيلا بعد جيل، فترسخ الكذب، وألبس ثوب الصدق!! فصار من حيث الشكل صدقا، وفق كل المعابير التي وضعها العلماء الباحثون عن حديث الرسول لضبط عملية نقل الحديث وروايته لذلك انطلقوا منها، وبنوا فوقها، لأنها مدعومة من