تاريخ بني البشر ومن المفترض أن يحمل هذا القرار بذور زواله السريع، ولكن كم من قرارات خاطئة شذت عن هذه القاعدة، وحكمت المجتمعات البشرية مئات بل آلاف السنين فظلت أعناقهم خاضعة لمثل هذه القرارات الخاطئة في ظلال تبريرات مختلفة، وقد عبر القرآن الكريم عن مثل هذه العقلية، بقوله (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون).
لقد كان قرار عمر بن عبد العزيز بالسماح بتدوين وكتابة سنة الرسول، وكتابة العلم قرارا تاريخيا من كل الوجوه، وقد سمح له وضعه وظروفه وسلطان سنة الخلفاء المستحكم في النفوس من تحقيق ذلك الأمر، وبالتالي كان من المستحيل على غيره أن هكذا قرار!.
بدء الكتابة والتدوين والرواية بعد المنع لقد فتح عمر بن عبد العزيز رسميا باب الكتابة والتدوين والرواية وتأليف الكتب، بعد أن بقي هذا الباب مغلقا إغلاقا تاما طوال مائة عام ونيف إعمالا لسنة الخلفاء القائمة في جانب منها على كراهية الكتابة والتدوين والرواية لسنة رسول الله خاصة وبقية العلوم عامة، واحتاجت الأكثرية الساحقة من المسلمين إلى فترة زمنية تراوحت بين العشرين والثلاثين سنة حتى تستوعب هذا القرار المناقض تماما لسنة الخلفاء، ولكن الخلفاء الأمويين المتأخرين قد أصروا على تنفيذه، وأكرهوا الناس على قبوله، وبعد تردد قبلته الأكثرية وهي كارهة له، ومع الأيام رضيت به، واكتشفت حسناته وبركاته فأقبلت عليه في أواخر عهد بني أمية وبدأ القادرون على الكتابة بكتابة صحف متفرقة، يدونون فيها ما يروق لهم مما يسمعونه في مجالسهم، من حديث وتفسير ولغة وشعر، وحلال وحرام دون أن يستهجن عملهم مستهجن، أو يؤاخذهم على ما يكتبون مؤاخذ لأن كتابة كل شئ صارت أمرا مباحا ومشروعا، كانت هذه حالة الكتابة والتدوين في أواخر العهد الأموي.