فبنوا لهم صوامع متجاورة، ثم انتهى بهم الأمر إلى بناء أسوار عالية تضم بداخلها عددا من الصوامع، فنشأ عن ذلك الدير، وكثرت بعد ذلك الأديار وانتشرت هنا وهناك.
على أن الرهبنة لم تنشأ فقط بسبب الرغبة في التضحية والفداء بعد أن توقف الاضطهاد، بل إن المسيحيين ينسبون أسسها إلى السيد المسيح الذي يروون عنه قوله:
- إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني (1).
- من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابنا أو ابنة فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، ومن أضاع حياته من أجلي سوف يجدها.
- من ترك بيوتا أو حقولا من أجل اسمي يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية.
- للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه.
أما اللجوء إلى الجبال والبراري فمقتبسة من السيد المسيح الذي كان يصعد إلى الجبل حين يريد أن يصلي أو يعلم الجموع، ومن يوحنا المعمدان الذي كان يعيش في البرية ويكرز فيها.
ومن أسس الرهبنة عدم الزواج أي التبتل، وعن ذلك يحدث السيد المسيح في قوله: يوجد خصيان ولدوا هكذا، ويوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، من استطاع أن يحتمل فليحتمل (2)، وسنعود فيما بعد بالنقد لهذا النظام الذي يجر على العالم الخراب والدمار.