ولهذا المعنى - والله أعلم - قال القاضي ابن كج رحمه الله: إذا نذر أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا، ولو نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان.
قلت: وما قاله من القطع بلزوم الوفاء بها هو الحق، لما قدمناه من الأدلة الخاصة عليها، وتردده في قبر غيره:
يحتمل أن يكون محله عند الاطلاق، وسواء لو عين أم لا؟ تشبيها لذلك بزيارة القادمين، وإفشاء السلام، ونحو ذلك مما لم يوضع قربة مقصودة وإن كان قربة، وعلى هذا يكون الأصح لزومه بالنذر، كما في تلك المسائل.
ويحتمل أن يكون محله عند التعيين، فإن زيارة قبر معين من غير الأنبياء لا قربة فيها بخصوصها، كما سبق عند الكلام في أغراض الزيارة.
وأما إذا نظرنا إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة العموم خاصة، واجتماع المعاني التي تقصد بالزيارة فيه، فيظهر أن يقال أيضا: إنه يلزم بالنذر قولا واحدا.
ويحتمل على بعد أن يقال: إنه كما لو نذر زيارة القادمين وإفشاء السلام، فيجري في لزومها بالنذر ذلك الخلاف، مع كونها قربة في نفسها قبل النذر وبعده.
وقد بان لك بهذا: أنها تلزم بالنذر، وأنه على تقدير أن يقال: (لا تلزم بالنذر)، لا يخرجها ذلك عن كونها قربة.
ومن يشترط في المنذور أن يكون مما وجب جنسه بالشرع، ويقول: إن الاعتكاف كذلك، لوجوب الوقوف، فقد يقول: إن زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب جنسها، وهي الهجرة إليه في حياته.
فقد ظهر بهذا: أن كل ما يلزم بالنذر قربة، وليس كل قربة تلزم، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرب التي تلزم بالنذر، ولو ثبت عن أحد من العلماء أنه يقول: (لا تلزم بالنذر)، لم يكن في ذلك ما يقتضي أنه يقول: إنها ليست بقربة.