وقد وقفت على كلام بعض المتعصبين للباطل قال فيه: إن القاضي إسماعيل قال في (المبسوط): إنه روي عن مالك: أنه سئل عمن نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليأته، وليصل فيه، وإن كان إنما أراد القبر فلا يفعل، للحديث الذي جاء (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد).
وهذه الرواية - إن صحت عن مالك! - يجب تأويلها على وجه لا يمنع كون الزيارة قربة، جمعا بينها وبين ما ثبت عنه وعن جميع العلماء وجميع المسلمين.
وهذه الرواية تحتمل وجوها:
أحدها: أن تكون من القرب التي لا تلزم بالنذر، كما أن إتيان مسجد قباء لمن كان في المدينة أو قريبا منها قربة عند جميع العلماء، ولا يلزم بالنذر عند جمهور العلماء، إلا ما روي عن محمد بن مسلمة المالكي: أنه قال بلزومه بالنذر.
الثاني: الجواب المذكور، ولكن بالنسبة إلى البعيد خاصة، كما دل عليه بقية الكلام من الاستدلال بالحديث الذي جاء: (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد) فيكون المراد أنه إذا نذر السفر إليه لا يلزم، ولا يمنع ذلك كون السفر إليه قربة بغير النذر، كمسجد قباء في حق القريب عند غير محمد بن مسلمة، ولا يمنع أيضا من لزوم الزيارة في حق القريب، كما قاله محمد بن مسلمة في مسجد قباء، وهذا الوجه هو أقرب التأويلات على قواعد مالك رحمه الله تعالى.
قال في (التهذيب للمسائل المدونة): من قال: (علي أن آتي المدينة) أو (بيت المقدس) أو (المشي إلى المدينة) أو (بيت المقدس) فلا يأتهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما، أو يسميهما فيقول: (إلى مسجد الرسول) أو (مسجد إيلياء) وإن لم ينو الصلاة فيهما فليأتهما راكبا، ولا هدي عليه، وكأنه لما سماهما قال: (لله علي أن أصلي فيهما). ولو نذر الصلاة في غيرهما من مساجد الأمصار، صلى بموضعه، ولم يأته.
ومن نذر أن يرابط أو يصوم بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله تعالى - كعسقلان