ذلك، أم لا؟ فإن مقتضى قولكم باستحبابها أن يلزم بالنذر.
قلت: نعم، نقول بانعقاد نذره، ولزوم الزيارة به، وبه صرح القاضي ابن كج من أصحابنا، ولم نر لغيره من الأصحاب خلافه، وقد قدمنا في الباب الرابع عن العبدي المالكي لزومه، على أنه لا يلزم أن كل مستحب أو قربة يلزم بالنذر، فإن القربات نوعان:
أحدهما: قربة لم توضع لتكون عبادة، وإنما هي أعمال وأخلاق مستحسنة، رغب الشارع فيها لعموم فائدتها، وقد يبتغي فيها وجه الله تعالى فينال الثواب، كعيادة المرضى، وزيارة القادمين، وإفشاء السلام، وما أشبه ذلك.
فهذا النوع في لزومه بالنذر وجهان، أصحهما اللزوم، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ومن هذا النوع تشييع الجنائز، وتشميت العاطس.
والنوع الثاني: في العبادات المقصودة، وهي التي وضعت للتقرب بها، وعرف من الشرع الاهتمام بتكليف الخلق بإيقاعها عبادة، كالصلاة، والصوم، والصدقة، والحج، فهذا النوع يلزم بالنذر بالإجماع إلا فيما يستثنى.
ومنهم من يعبر عن النوع الأول ب (ما لم يوجبه الشرع ابتداء) وعن الثاني ب (ما أوجبه) وأدرجوا الاعتكاف في النوع الثاني وإن كان لم يجب ابتداء، وقالوا:
الاعتكاف لبث في مكان مخصوص، ومن جنسه ما هو واجب شرعا، وهو الوقوف بعرفات.
وجعلوا من النوع الأول تجديد الوضوء، فإنه ليس في الشرع وضوء واجب بغير حدث، وليس الوضوء مقصودا لنفسه، بل للصلاة، والأصح لزوم تجديده بالنذر.