لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته، ويكون قوله " بعثت إلى الناس كافة " لا يختص به الناس من زمانه إلى القيامة، بل يتناول من قبلهم أيضا.
ويتبين بذلك المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " وأن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبيا لم يصل إلى هذا المعنى، لأن علم الله محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولهذا رأى آدم اسمه مكتوبا على العرش محمد رسول الله، فلا بد أن يكون ذلك معنى ثابتا في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاما لأمته ليعرفوا قدره عند الله تعالى، فيحصل لهم الخير بذلك.
وقال: فإن قلت: أريد أن أفهم ذلك القدر الزائد، فإن النبوة وصف لا بد أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضا، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك.
قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله: كنت نبيا إلى روحه الشريفة وإلى حقيقته، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها ومن أمده بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي شاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف، بأن بكون خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت وإن تأخر جسده الشريف المتصف بها، واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة