لنا تضرب أمثال المنافقين يا ابن الخطاب، فما يمنعك أنت ما عبت علينا فيه؟ (1) ورغم الكلمات القارصة التي وجهها عمرو بن سعيد وأسامة بن زيد وغيرهم لأبي بكر وعمر وإلحاح النبي (صلى الله عليه وآله) على الجهاد، فقد امتنعا مع عثمان من الالتحاق بأي حرب داخلية وخارجية، بصفة قادة أو بصفة جنود!
وكان عمرو بن سعيد الأموي من المهاجرين إلى الحبشة والمجاهدين الأبطال الذين استشهدوا في معركة أجنادين مع الروم (2). ولما طلب أبو بكر من أسامة ابن زيد إذنا ببقائه (عمر) في المدينة وتخلفه عن تلك الحملة. فقال أسامة لأبي بكر: فما تقول في نفسك؟ فقال: يا ابن أخي فعل الناس ما ترى فدع لي عمر، وانفذ لوجهك (3). وقد سار الأمويون في الشام على نظرية أبي بكر وعمر وعثمان، في عدم خروج الخليفة إلى ساحات الغزو والجهاد. وتبع العباسيون أبا بكر وعمر وعثمان في نظريتهم تلك.
وفي زمن الدولة العثمانية سار ملوكهم الأوائل على نظرية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ووصيه علي (عليه السلام) في الحرب فوصل سليمان القانوني إلى أطراف فينا، بعد أن اكتسح جيشه مساحات شاسعة من إمبراطورية النمسا وهنگاريا.
وكانت الفترة الثانية من زمن الدولة العثمانية متسمة بالضعف والانحطاط لعدم قيادة ملوكها للحرب، وعدم اهتمامهم بها، وانشغالهم بالترف (4).
وفي مقابل المسلمين كان هرقل يقود جيوش الدولة الرومية في كثير من الأحيان بنفسه. وكان الإسكندر المقدوني انتصر على الفرس بنفسه. إذ عبر الإسكندر تركيا والعراق لمحاربة الفرس في عقر دارهم.