فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي " (1).
بقيت هنا كلمة وسؤال: قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن يسأل: ما دعا أبا بكر أن يلين ويخضع هكذا؟ وما دعا الزهراء أن تثبت على رأيها، ولا تتضعضع عن موقفها؟
لقد أجاب الجاحظ عن هذا السؤال، وكفانا مؤونة الجواب، قال في رسائله:
(... فإن قالوا: كيف تظن به ظلمها والتعدي عليها، وكلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة حيث تقول له: والله لا أكلمك أبدا، فيقول: والله لا أهجرك أبدا، ثم تقول: " والله لأدعون الله عليك "، فيقول: والله لأدعون الله لك، ثم يتحمل منها هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة، وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه، وما يجب لها من الرفعة والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك عن أن قال معتذرا متقربا بكلام المعظم لحقها، والمكبر لمقامها، الصائن لوجهها، المتحنن عليها: ما أحد أعز علي منك فقرا ولا أحب إلي منك غنى، ولكن سمعت رسول الله يقول: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ".
قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم، والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم، ودهاء الماكر، إذا كان أريبا وللخصومة معتادا، أن يظهر كلام المظلوم وذلة المنتصف، وحدب الوامق ومقت المحق... الخ) (2).
وفاة فاطمة بعد مضي ثلاثة أشهر على وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وبعد الهجوم الخاطف والشديد على بيت فاطمة (عليها السلام) لم تعش فاطمة طويلا،