شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجبا، ولقيت من وصفها تعبا! فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر. ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة (النحلة)؛ لدقيق تفصيل كل شيء، وغامض اختلاف كل حي (شيء)، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء....
فالويل لمن أنكر المقدر وجحد المدبر! زعموا أنهم كالنبات مالهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا؛ وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان؟!
وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأمرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض.
يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة.
فتبارك الله الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها، ويغفر له خدا ووجها، ويلقي إليه بالطاعة سلما وضعفا، ويعطي له القياد رهبة وخوفا، فالطير مسخرة لأمره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس، وقدر أقواتها، وأحصى أجناسها؛ فهذا غراب