ألقيت عليها من المحبة لك لألقتك في أول أذى يلحقها منك، فضلا عن أن تؤثرك في كل حال، ولا تخليك لها من بال، ولو وكلتك إلى وكدك (1)، وجعلت قوتك وقوامك من جهدك، لمت سريعا، وفت ضائعا.
هذه عادتي في الإحسان إليك، والرحمة لك، إلى أن تبلغ أشدك، وبعد ذلك إلى منتهى أجلك، أهيئ لك في كل وقت من عمرك ما فيه صلاح أمرك من زيادة في خلقك، وتيسير لرزقك، أقدر مدة حياتك قدر كفايتك ما لا تتجاوزه وإن أكثرت من التعب، ولا يفوتك وإن قصرت في الطلب؛ فإن ظننت أنك الجالب لرزقك، فما لك تروم أن تزيد فيه ولا تقدر؟ أم ما لك تتعب في طلب الشيء فلست تناله، ويأتيك غيره عفوا مما لا تتفكر فيه، ولا تتعنى له، أم ما لك ترى من هو أشد منك عقلا وأكثر طلبا محروما مجذوذا؟ ومن هو أضعف منك عقلا وأقل طلبا محروزا مجدودا؟ أتراك أنت الذي هيأت لمشربك ومطعمك سقاءين في صدر أمك؟ أم تراك سلطت على نفسك وقت السلامة الداء، أو جلبت لها وقت السقم الشفاء؟ ألا تنظر إلى الطير التي تغدو خماصا، وتروح بطانا؟ ألها زرع تزرعه، أو مال تجمعه، أو كسب تسعى فيه، أو احتيال تتوسم بتعاطيه؟
اعلم أيها الغافل، أن ذلك كله بتقديري، لا أناد ولا أضاد في تدبيري، ولا ينقص ولا يزاد من تقديري؛ ذلك أني أنا الله الرحيم الحكيم. (2)