والمراد من الفعلية صور العناصر والمركبات، من قبيل المعادن والنباتات والحيوانات والانسان، التي يظهر كل واحد منها في حد خاص وله أثر مخصوص، والمراد من القوة: الهيولى والمادة الأولى مما ليس له فعلية والذي يعد أساسا لكل الصور، ويقبل الصور المختلفة بفعل الحركة والتغيير في المسيرات المتنوعة.
ولما كان بإمكان مادة المواد بلوغ المراتب العالية، بل أعلى المراحل الوجودية بفعل الحركة الجوهرية والتكامل الوجودي، وكان الله فياضا مطلقا، تتحرك مادة المواد بإرادة الله في قوس الصعود في قنوات مختلفة، ومع تحقق الشروط المخصوصة تتخذ صورا متنوعة، بل قد تصل بفعل الحركة الجوهرية وتحقق الشروط إلى أدنى مراتب التجرد التي تفوق المادة.
ولكن بما ان هذه المرتبة من التجرد، ثمرة غير ناضجة، لا يمكن انفصالها عن أصلها المادي، فيظل الفعل والانفعال قائما بينهما، وتطوي طريق الكمال بأداة المادة، حتى تنفصل عنها تماما بفعل الموت.
طبعا عند الموت الطبيعي تكون النفس قد بلغت مرحلة التجرد الكامل، فتترك المادة بشكل طبيعي وتلقائي كالثمرة الناضجة التي تنفصل عن الشجرة بطوعها، وأما في الموت غير الطبيعي، فان المجرد وان لم يتكامل، الا انه يفقد قابلية التكامل الذاتي الممكن في هذه الدار الدنيا؛ لان التكامل فيها يكون بالحركة، والحركة بحاجة إلى موضوع وهو المادة وقد فرض انفصالها عنها بالموت، لذا فإنها تقطف قسرا، كالثمرة غير اليانعة، حيث تنفصل الروح عن الجسد بشكل غير طبيعي.