مرتبة التجرد، تظهر فيها أول مرتبة التجرد ملازمة لأول مرتبة في الشعور و الادراك، أي الحاسة اللامسة، ثم تتكامل بالتدريج في التجرد والشعور و الادراك فتحصل على الحواس الظاهرة والباطنة، وتغدو مستعدة للحصول على العقل وادراك الكليات.
وما دامت ممتزجة بالمادة تبقى متجهة نحو الكمال، فالمادة والبدن يصيران سلم رقيها وتكاملها، حتى يبلغ الانسان مرحلة الموت فتنفصل ثمرة الروح الناضجة أو غير الناضجة عن شجرة الجسد طوعا أو كرها.
جاء في الآيات الشريفة المتقدمة بعد ذكر المراحل المادية للإنسان قوله:
(ثم أنشأناه خلقا آخر) مما يدل على ان سنخ هذه الصورة والفعلية الأخيرة يختلف عن المراحل المتقدمة اختلافا كاملا، وان هذه هي صورته التجردية، وان مرتبة التجرد في الانسان نتاج متسام وثمرة طيبة وصورة جديدة لنفس ذلك الموجود المادي الذي بلغ مرحلة التجرد بفعل لطافته وصفائه فهو بنفسه صار خلقا آخر.
ولا منافاة بين هذا التعبير، والتعبير بنفخ الروح الوارد في آيات القرآن الأخرى؛ لان فعلية جميع الصور المتعاقبة نتاج إفاضة الله تعالى، وهو الذي يوجد الصور الجديدة في المواد القابلة التي تتوفر فيها الشروط؛ لأن نظام الوجود، ابتداء من أصغر ذرة إلى أكبر موجود امكاني، مرتبط في حدوثه و بقائه بإرادة الله تعالى وفيضه، وعليه فان روح الانسان وان كانت مجردة، الا ان تجردها ليس كاملا ولا خالصا، فهي تسير نحو العالم الاعلى لكن بسلم المادة، فهي مجردة في الذات، ولكنها في الفاعلية والتكامل مفتقرة إلى المادة.