النموذج الثاني: لولا الزلزال والطوفان وأمثالهما مما يوجب التحول والتغير في الطبيعة، لما أمكن للموجودات الأخرى أن تظهر على مسرح الحياة، فقد قال علماء الطبيعة قديما وحديثا: " لو انحسر التضاد والفساد والتحول من عالم الطبيعة، لانحسرت الحياة بتبع ذلك ".
النموذج الثالث: ان الظروف والشرائط التي أدت إلى قبح موجود ربما كان وجودها، أولى من عدم وجودها، وكان خير وجودها غالبا على شره، إذ أولا:
القبح والجمال امر اعتباري ونسبي، فقد يكون الموجود جميلا عند شخص و قبيحا عند آخر. وثانيا: على فرض وجود القبيح المطلق الذي يتفق الناس على تقبيحه، ولكن القبيح يظهر الجميل، بحكم معرفة الأشياء بأضدادها، فيكون القبيح جميلا من هذه الناحية. وثالثا: ان قبح الموجود ربما كانت فيه منفعة له، ومصلحة دنيوية أو أخروية، خفية أو ظاهرة.
كل شيء في الوجود خير في الرؤية العرفانية للوجود وبنظرة عقلية عرفانية فاحصة يمكن القول: بان جميع الحوادث التي تبدو بالنظرة السطحية كريهة وبشعة هي في الحقيقة جميلة وممتعة وخير محض. إذ طبقا لرابطة العلية والسببية بين الأشياء، يكون الخير هو الذي يجب ان يكون، وما هو موجود هو الذي وجب ان يكون، وأيضا أن الله تعالى جميل وخير محض، وجميع الموجودات مظهر من مظاهره، ومظهر الجميل جميل.
مضافا إلى ان لجميع هذه الحوادث أثرا كبيرا في تربية الانسان وهدايته إلى الكمال الذي يجب عليه بلوغه؛ لان الانسان خليط من القوى والغرائز