فلم يبق الا القسم الأول وهو ما كان خيرا محضا، والقسم الثالث الذي يغلب خيره على شره، ومثال القسم الأول: الملائكة والأنبياء والأولياء الكمل. ومثال القسم الثالث: غير ما تقدم من سائر الموجودات التي أوجدها الله. فعدم ايجادها للتخلص من شرها القليل، يلزم منه فقدان الخير الكثير، وهو تقديم للمرجوح على الراجح، وهو باطل، وقد قيل: " ان ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل، شر كثير "، وعليه يحكم العقل بلزوم ايجاد هذا النوع من الأمور التي يغلب خيرها على شرها، وان خفي عنا خيرها الكثير، ولم نر الا شرها القليل.
نماذج من غلبة الخير على الشر النموذج الأول: ان الزلزال والطوفان والسم ونحوها مما نتصوره شرا، لو لم يكتب له الوجود، وبقي الناس والحيوانات في مأمن منها، لما بقي هناك موضع قابل للحياة على وجه الأرض، الا ان تكون الأرض وقفا على عدد محدود من الأشخاص يخلدون فيها، دون السماح للموجودات الأخرى الكثيرة بالوجود، وهذا من مصاديق ترك الخير الكثير، مضافا إلى ان كثيرا من افراد الانسان إذا غفل عن ذكر الموت سيجر الويل على أخيه الانسان، بل الحيوان، وحتى الطبيعة، فما ظنك بما لو أيقن بالخلود وعدم الموت، ثم ان الموت لا يعني الفناء التام، وانما هو مجرد انقطاع لارتباط الروح بالبدن، وتحليقها من عالم الطبيعة إلى عالم البرزخ، ومنه إلى عالم الآخرة الذي هو عالم أتم وأكمل وأشرف، وبذلك يكون الموت نوعا من التكامل.