ناصر: إن الله لم يفض الماهيات والقوابل مباشرة، بل أفاض وجودها، والماهيات حدود الوجودات المعلولة ومنتزعة منها، ولم يكن لها قبل إفاضة الوجود أي نحو من أنحاء الثبوت، فامتياز الماهيات واختلافها ذاتي لها وليس قابلا للجعل التأليفي، واصطلاحا: إن ثبوت كل شيء لنفسه ضروري، والضروري لا يعلل، وان الذي يحتاج إلى علة هو وجودها.
ثم ان التعبير ب " التفاوت " أفضل من التعبير ب " المحاباة "؛ لأن التفاوت الطولي والعرضي بين الموجودات ذاتي لها ولازم لوجودها، بينما كلمة المحاباة توهم تحقق المحاباة من قبل الله عز وجل وسيأتي مزيد بيان.
عدم احتياج الشرور إلى مبدأ أما الاشكال الثاني وهو اشكال الشرور بنحو عام، فهو الذي شغل أذهان العلماء منذ القدم، وربما عاد تاريخه إلى قدم الإنسان نفسه، وسعى كل مذهب إلى الإجابة عنه، فذهب الثنوية والمجوس مثلا - حيث لم يتمكنوا من العثور على مسانخة ومجانسة بين الله العادل، والشرور الواقعة في العالم - إلى القول بمبدأين: الأول: مبدأ الخير، وسموه " يزدان "، والثاني: مبدأ الشر، وسموه " أهريمن "، وبذلك كانوا كمن هرب من المطر إلى الميزاب، إذ أرادوا تنزيه الله من الشرور، فجعلوا له شريكا.
ولكن أدرك بعض حكماء اليونان بطلان كلام الثنوية، وتبعهم حكماء المسلمين، فقالوا: إن الشر أمر عدمي، والعدم لا يحتاج إلى علة وجودية، قال الحكيم السبزواري (رحمه الله) في ذلك:
" والشر أعدام فكم قد ضل من * يقول باليزدان ثم الأهرمن "