يسلبه عنه، ويحكم بينهما بالاتحاد وعدمه لابد ان يكون قد أدركهما، ليتمكن من الحكم بينهما، فلابد من تمركز جميع مدركاتنا - برغم اختلافها السنخي و اختلاف وسائل ادراكها - في محل واحد حقيقي يدركها بأجمعها ثم يحكم بشأنها ايجابا أو سلبا، " فان القاضي لابد وان يحضره المقضي عليهما ".
كما اننا قد أوضحنا في الفقرة " ح " كيفية ارتباط القوى التحريكية بالقوى الادراكية، وقلنا: كل فعل وحركة اختيارية وإرادية تصدر من الانسان، بما فيها من مقدمات تلك الحركة والفعل، يصحبها تصور ذلك الفعل وفائدته، والاذعان بترتب تلك الفائدة، وبتبع ذلك يحصل الشوق والإرادة وتحريك العضلات، اذن عامل الادراك والحركة واحد حقيقي وهو الانسان، وليست القوى المختلفة والأمور المادية سوى وسائل ومعدات.
فمنشأ جميع الادراكات الجزئية والكلية والظاهرية والباطنية، وجميع الميول والحركات الصادرة عن الانسان، حقيقية واحدة شخصية موجودة وراء جميع المقدمات والوسائل المادية وقواها، ولو كانت تلك الشخصية الواحدة مادية لما انعكست فيها جميع هذه الصور والمعاني المتنوعة متمايزة، وادراكها بشكل مستقل؛ اذن هذه الشخصية مجردة عن المادة من ناحية الذات، برغم احتياجها في تحصيل العلم والكمال والأنشطة إلى الوسائل المادية و أعضاء الجسم المختلفة، وأحاطتها بأجمعها.
الدليل الثالث: الوجدان، فكل فرد منا يدرك بوجدانه ورجوعه إلى ذاته ان النظر والسماع والتذوق والشم واللمس والتخيل والتوهم والتعقل و الحكم بين هذه الأمور بالايجاب أو السلب، وكذلك الميل والشوق والإرادة و