أما المسائل الفروع، فإنها لما كانت أمورا ظنية اجتهادية خفية، لكثرة تعارض الإمارات فيها، وقع بينهم الخلاف فيها والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض، فلذا نقل.
واحتجوا أيضا: بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات والتورط في الضلالات بخلاف التقليد فإنه أبعد عن ذلك وأقرب إلى السلامة فيكون أولى، ولأن الأصول أغمض أدلة من الفروع وأخفى، فإذا جاز التقليد في الأسهل جاز في الأصعب بطريق أولى، ولأنهما سواء في التكليف بهما، فإذا جاز في الفروع فليجز في الأصول.
وأجيب عن الأول: بأن اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد، لزم إما التسلسل، أو الانتهاء إلى من يعتقد عن نظر لانتفاء الضرورة، فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة وهي احتمال كذب المخبر، بخلاف الناظر مع نفسه، فإنه ولولا يكابر نفسه فيما أدى إليه نظره.
على أنه لو اتفق الانتهاء إلى من اتفق له العلم بغير النظر كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم، أو بالإلهام، أو بخلق العلم فيه ضرورة، فهو إنما يكون لأفراد نادرة، لأنه على خلاف العادة، فلا يتيسر لكل أحد الوصول إليه مشافهة بل بالوسائط، فيكثر احتمال الكذب، بخلاف الناظر فإنه ولولا يكابر نفسه، ولأنه أقرب إلى الوقوع في الصواب.
إن قلت: ما ذكرت من الجواب إنما يدل على كون النظر أولى من التقليد، ولا يدل على عدم جوازه، فجواز التقليد باق لم يندفع، على أن ما ذكرته من احتمال الكذب جار في الفروع، فلو منع من التقليد فيها لمنع في الأصول.
قلت: متى سلمت الأولوية وجب العمل بها، وإلا لزم العمل بالمرجوح مع تيسر العمل بالراجح، وهو باطل بالإجماع، ولولا سيما في الاعتقاديات.
وأما الجواب عن العلاوة، فلأنه لما كان الطريق إلى العمل بالفروع إنما هو النقل ساغ لنا التقليد فيها، ولم يقدح احتمال كذب المخبر، وإلا لانسد باب العمل فيها،