فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (سورة المؤمنون: 14) وتعبير (تبارك) لم يستعمل في القرآن إلا في موارد محدودة، منها لملك الله تعالى: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير (سورة الملك: 1) ومنها لخلق السماوات والأرض، ومنها لخلق البروج والشمس والقمر، ومنها لخلق الإنسان، ومنها لتنزيل االقرآن: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (سورة الفرقان: 1) وقد جمع بينهما في سورة الرحمان فقال: الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان وختمها بقوله: تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام.
هذا الإنسان المخلوق بهذه العظمة في بنائه، واستعداده للتكامل، لابد أن يصل إلى كماله الذي قال الله عنه للملائكة: إني أعلم ما لا تعلمون! جوابا على قولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)؟!
وكمال الإنسان إنما هو بوصول قوتين كامنتين فيه إلى أوج إثمارهما: قوة العقل، وقوة الإرادة. فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (دعامة الإنسان العقل، والعقل منه الفطنة والفهم، والحفظ والعلم) (الكافي: 1 / 25، وعلل الشرائع: 1 / 103) والعقل قسمان: عقل نظري، وكماله المطلق بالاستغراق في نوع من المعرفة يشمل كل أنواع معرفة الوجود، وهو معرفة الله تعالى!
وعقل عملي، وكماله المطلق ينتهي إلى فناء إرادة الإنسان في إرادة ذات القدوس الحق تعالى. وعندما تفنى جنبة العقل النظرية والعملية، تلك في المعرفة، وهذه في الإرادة، فعنئذ يكون الإنسان: واحد دهره!
الإمام واحد دهره، فهو الإنسان الذي يستحق العهد الإلهي المخصوص بين