نسمع تصويرا تاريخيا لفاجعة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، قتل فيها أشخاص مقدسون، وارتفعوا إلى أعلى المراتب الإنسانية بذلا وتضحية وفداء، في عملية عطاء محض.. وقتل فيها أطفال ونساء عطاشى غرباء متوحدين، وحملت رؤوسهم، وسبيت نساؤهم!! كل هذا ليس من أجل أشخاصهم، وإنما من أجل أمتهم وعقيدتهم، أمتهم التي نحن منها، وعقيدتهم التي نعتنقها، فمن حقنا كبشر أسوياء أن نحزن، وأن نعجب، وأن نشكو، وقد يتعاظم بنا الحزن فنبكي دموع الحزن والإعجاب وعرفان الجميل.
يبقى علينا الكشف عن المدلول التاريخي لهذه الظاهرة، وهو يتجلى لنا بوضوح إذا لاحظنا أن أئمة أهل البيت كانوا هم قادة الدعوة الإسلامية، والقيادة المعارضة للانحراف في فهم الإسلام وتطبيقه، وكانوا بالمرصاد دائما لكل انحراف وتجاوز يصدر عن السلطة الحاكمة وما أكثر انحرافها وتجاوزاتها! ومن هنا فقد كان موقفهم يضعهم دائما في موضع المعارض الصامد، وكان رد فعل السلطة هو العنف والملاحقة والاضطهاد على أئمة أهل البيت وعلى أتباعهم. وقد بلغ الاضطهاد من السعة والشمول في بعض الأحيان أنه كان يتعدى أشخاص الأئمة وأسرهم، ليشمل جميع العلويين، وذلك كالذي فعله المتوكل، فيما يحدثنا به أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبين: (فقد كان المتوكل لا يبلغه أن أحدا بر أحدا من آل أبي طالب بشئ وإن قل إلا أنهكه عقوبة وأثقله غرما! حتى بات القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرفعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر)!! إذن فنحن أمام عقيدة مضطهدة، تلاحق في أشخاص قادتها وأتباعها بشكل وحشي، يضطرهم إلى إخفاء عقيدتهم حفاظا على حياتهم.