قال أبو قرة: فإنه يقول: ولقد رآه نزلة أخرى.
فقال أبو الحسن عليه السلام: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى، فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: ولا يحيطون به علما، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة!
فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات! فقال أبو الحسن عليه السلام: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أن لا يحاط به علما، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شئ. انتهى.
وقال محققه في هامشه: وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي - قدس سره - كتابا أسماه: كلمة حول الرؤية فجاء - شكر الله سعيه - وافيا كما يهواه الحق ويرتضيه الإنصاف، ونحن نذكر منه بعض الأدلة العقلية: منها: أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه، ولا بد أن يكون مقابلا لعين الرائي، وكل ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.
ومنها، أن الرؤية التي يقول الأشاعرة بإمكانها ووقوعها، إما أن تقع على الله كله فيكون مركبا محدودا متناهيا محصورا يشغل فراغ الناحية المرئي فيها، فتخلو منه بقية النواحي، وإما أن تقع على بعضه فيكون مبعضا مركبا متحيزا، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.