قال هرثمة: فدخلت على الخليفة المأمون لما بلغه موت أبي الحسن علي الرضا فوجدت المنديل بيده وهو يبكي عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين ثم كلام أتأذن لي أن أقوله لك. قال: قل، فقصصت القصة عليه التي قالها لي الرضا من أولها إلى آخرها.
فتعجب المأمون من ذلك ثم أمر بتجهيزه وخرجنا بجنازته إلى المصلى وأخرنا الصلاة عليه قليلا فإذا بالرجل العربي قد أقبل على بعيره من جهة الصحراء كما قال، فنزل ولم يكلم أحدا فصلى عليه وصلى الناس معه، وأمر الخليفة بطلب الرجل فلم يروا له أثرا ولا لبعيره.
ثم أن الخليفة قال: نحفر له من خلف قبر الرشيد لننظر ما قاله لك، فكانت الأرض أصلب من الصخر الصوان وعجزوا عن حفرها، فتعجب الحاضرون من ذلك وتبين للمأمون صدق ما قلته له، فقال: أرني الموضع الذي أشار إليه. فجئت بهم إليه، فما كان إلا أن انكشف التراب عن وجه الأرض فظهرت الأطباق فرفعناها فظهر قبر معمور فإذا في قعره ماء أبيض أشرف عليه المأمون وأبصره، ثم إن ذلك الماء نضب من وقته فواريناه فيه ورددنا الأطباق على حالها والتراب، ولم يزل الخليفة المأمون يتعجب مما رأى ومما سمعه مني ويتأسف عليه ويندم، وكلما خلوت معه يقول لي:
يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن الرضا، فأعيد عليه الحديث فيتلهف ويتأسف ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وكانت وفاته سنة ثلاث ومائتين في آخر صفر، وقيل غير ذلك، وله من العمر إذ ذاك خمس وخمسون سنة في قرية يقال لها سناباد من رستاق من أعمال طوس من خراسان، وقبره في قبلي قبر هارون الرشيد.