قال إبراهيم بن العباس: ما رأيت الرضا سئل عن شئ إلا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان والوقت. وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيبه الجواب الشافي، وكان قليل النوم كثير الصوم لا يفوته صوم ثلاثة أيام من كل شهر ويقول: ذلك صيام الدهر، وكان كثير المعروف والصدقة سرا، وكثيرا ما يكون ذلك في الليالي المظلمة.
وهذه صورة كتاب العهد الذي كتبة المأمون الخليفة العباسي إلى الإمام علي الرضا:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده، أما بعد فإن الله عز وجل اصطفى الاسلام دينا واختار له من عباده رسلا دالين عليه وهادين إليه يبشر أولهم بآخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ودروس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين وجعله شاهدا عليهم ومهيمنا، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم الرسالة جعل قوم الدين ونظام أمر المسلمين في الخلافة ونظامها والقيام بشرائعها وأحكامها، ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه وحمل ميثاقها وتجرع طعمها ومذاقها مسهرا لعينه مضنيا لبدنه مطيلا لفكره فيما فيه عز الدين وقمع المشركين وصلاح الأمة وجمع الكلمة ونشر العدل وإقامة الكتاب والسنة، وما بعد ذلك من الخفض والدعة ومهنأ العيش محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى مناصحا له في دينه وعباده، ويختار لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجيا لله تعالى بالاستخارة بذلك وسائله إلهامه لما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره، معملا