ومنها أن التعاليم التي أتى بها النبي لم تطبق بكاملها في عهده وحياته. ولما جاء دور تطبيقها والعمل بها، نظر إليها كل من زاويته الخاصة، وواقع بيئته، ومنطق عقله. هذا وإن كثيرا من التعاليم المنسوبة إلى النبي لم ينطق بها صراحة، وإنما استنبطها الأتباع من إيماءة أو تصرف، أو من شئ لا يمت إليه بسبب، بل اختلفوا في الأحكام التي طبقها النبي، وعمل بها. فلقد توضأ مئات المرات أمام ألوف من المسلمين، ومع هذا اختلف السنة والشيعة في صورة، والوضوء، وادعت كل فرقة أنها هي التي تتوضأ بوضوئه دون غيرها.
ومنها أن فئة من الأتباع قد تثق برجل ثقة عمياء، وتواليه ولاء دين وعقيدة وأخرى تتهمه وتهاجمه.
الخلافة لهذه الأسباب ولغيرها افترق المسلمون إلى فرق وشيع. وقامت بينهم حدود وحواجز، وأهمها مسألة الخلافة وما يتصل بها، بخاصة الطريق الذي يعين الخليفة بعد الرسول، وهل هو النص من الرسول، أو اختيار الوجهاء والأعيان قال الشيعة بالأول، وقال السنة بالثاني. وآمن كل بما رأى، وأصبح إيمانه هذا جزءا من عقيدته ونظامها. وهذا - كما ترى - اختلاف في المنهج والطريق المثبت للخلافة، لا في أصل الخلافة: فالقول بأنها من عقيدة الشيعة خطأ. ما دام الكل متفقين على أصل الفكرة، وأنها تستند إلى الدين باعتبارهم رئاسة عامة في الدين والدنيا نيابة عن الرسول باتفاق الجميع، إذن ليست الخلافة، من حيث الفكرة، شيعية فقط، أو سنية فقط وإنما هي عقيدة لجميع المسلمين.
أجل، إن فكرة النص من النبي على الخليفة شيعية لأن السنة لا يقولون بها، كما أن فكرة الانتخاب سنية لأن الشيعة لا يقولون بها.
وبعد أن أناط السنة تعيين الخليفة بانتخاب الوجهاء خاصة، وهم الذين عبروا عنهم " باهل الحل والعقد " قالوا مبررين رأيهم هذا إن الجماعة - أي الوجهاء - منزهون ومعصومون عن الخطأ، وإن الله يهديهم إلى الحق والصواب لحديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ولما رواه البخاري في " صحيحه " (9:
كتاب الأحكام) من أن النبي قال: " من رأي من أميره شيئا يكرهه فليصبر،