وذكرنا في كتاب " مع بطلة كربلاء " أن الزهراء (ع) هي أول من أعلن حق علي في الخلافة بعد أبيها، أعلنت هذا الحق في خطبتها الشهيرة بالمسجد الجامع، وقالت تخاطب أباها في قبره، وتشكوا إليه أمته:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (1) قام هؤلاء الأصحاب وغيرهم ممن تشيع لعلي في عهد الخلفاء الثلاثة بدور رئيسي في بث التشيع، وغرس جذوره وبذوره في كل أرض وطأتها أقدامهم، دعوا إلى التشيع على صعيد القرآن والحديث، وبذكاء ومرونة وطول أناة، وكانوا محل التعظيم والثقة عند الناس لمكانتهم من رسول الله، ومن هنا تجاوبت معهم القلوب والعقول، وكان لأقوالهم أثرها البالغ، ونتائجها البعيدة.
وقد تعرض بعضهم للإهانة والشتم والتشريد والضرب، كأبي ذر وعمار بن ياسر، ومع ذلك استمروا في بث الدعوة بصبر وشجاعة... ورحم الله عمارا، حيث يقول: والله لو ضربونا، حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق، وأنهم على باطل.
قرأت في كتاب " الإمام زيد " للشيخ أبي زهرة ص 107 طبعة أولى، قوله " نشأ الشيعة ابتداء في مصر، وكان ذلك في عهد عثمان، إذ وجد الدعاة فيها أرضا خصبة، ثم عمت بعد ذلك أرض العراق ".
أرسل المؤلف هذا القول، ولم يسنده إلى دليل، على أهميته من الوجهة التاريخية، فأخذت أبحث وأفتش، فرأيت في " أعيان الشيعة " ج 42 ص 213 طبعة سنة 1958 " أن عثمان بن عفان أرسل رجالا يتحرون العمال، ومنهم عمار، أرسله إلى مصر، فعادوا يمتدحون الولاة إلا عمارا استبطأه الناس، حتى ظنوا أنه اغتيل، فلم يفاجئهم إلا كتاب من عبد الله بن أبي السرح والي مصر يخبرهم أن عمارا قد استمال بمصر، وقد انقطعوا إليه، فكان تصريح عمار بالحق سبب اعتداء غلمان عثمان عليه، فضربوه، حتى انفتق له فتق في بطنه، وكسروا ضلعا من أضلاعه ".