إلا إذا انسلخت كلية عن الدين، أو كان من دينها عدم الفرق والتفاوت بين الأديان. وحينئذ لا تكون دينية بالمعنى المألوف المعروف بين الناس.
بل رأينا رؤساء الدول في هذا العصر يحابون أبناء ملتهم، ويرفعونهم فوق الناس والأجناس، وفي الوقت نفسه يدعون بأنهم حكام زمنيون، لا تمت دولاتهم وحكوماتهم بسبب إلى مذهب أو دين. رأينا كيف قامت قيامة الدول المسيحية في أميركا وأوربا، حين قتل مسيحي في أقصى الأرض أو أدناها، حتى ولو كان القتل لسبب مشروع. وكيف حشدت تلك الدول صحفها وإذاعاتها بالاحتجاج والضجيج. وكيف تجاهلت مذبحة العرب في فلسطين على أيدي اليهود، والدماء التي أجرتها فرنسا أنهرا في الجزائر. إن مجرد وصف الدولة، أية دولة بأنها دينية معناه التحيز، وعدم التحرر، وتفضيل بعض الأديان على بعض حتى ولو لم تقم على أساس الدين، وينص دستورها على أنها دينية. أجل، قد تكون بعض الدول أكثر تسامحا من غيرها، ولكنها لا تتخلى كلية عن المحاباة، فالامتياز موجود في الحالين، وعند الدولتين، وإن اختلف في الشدة والضعف.
عدد الشيعة:
ومن هنا كان التفاوت في عدد الشيعة والسنة قلة وكثرة حسب الدول القائمة الحاكمة دينا ومذهبا، ففي عهد الأمويين والعباسيين كان السنة أكثر عددا من الشيعة، وفي عهد البويهيين والفاطميين كانت الكثرة في جانب الشيعة، وفي عهد السلجوقيين والأيوبيين والعثمانيين ازداد عدد السنة، حتى أصبحوا على تعاقب الأجيال والقرون أضعاف عدد الشيعة، قال السيد محسن الأمين في الجزء الأول من أعيان الشيعة:
" ما زال التشيع يفشو ويقل، ويظهر ويختفي، ويوجد ويعدم في بلاد الإسلام على التناوب، وغيره بحسب تعاقب الدول الغاشمة وغيرها، وتشددها وتساهلها، حتى أصبح عدد الشيعة اليوم في أنحاء المعمورة يناهز الخمسة والسبعين مليونا (1) منها نحو اثنين مليونا في الهند، ونحو خمسة عشر مليونا في إيران،