وعلى هذا المنوال نسج الحسن - بأبي وأمي - أيام الهدنة، إذ تغلب عليه ابن آكلة الأكباد، وهم جميعا على سنن النبي في أول أمره حيث لم يتمكن صلى الله عليه وآله من دعوة أحد إلى الله حينئذ أصلا، وحال أوصيائه من بعده كحاله حين كان في الشعب محصورا، وفي الغار مستورا، ولئن كانت هذه الحال منافية للنبوة فهي غير منافية للإمامة بطريق أولى كما يعلمه أولو الألباب.
ولما هلك معاوية وانقضت الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه السلام من الدعوة إلى نفسه ووجد في ظاهر الحال من الأنصار ما يتسنى له القيام بالدعوة إلى الله تعالى، نهض بأعبائها، وتوجه بولده وأهل بيته من حرم الله تعالى وجرم رسوله إلى العراق للاستنصار على الظالمين، بمن دعاه إلى ذلك من أهل الكوفة، وقدم أمامه ابن عمه مسلما للدعوة إلى الله عز وجل، والبيعة له على الجهاد في إعلاء كلمته تعالى، وإنقاذ الدين والمسلمين من أولئك المنافقين، فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه، وضمنوا له النصرة والنصيحة وواثقوه، ثم لم تطل المدة حتى نكثوا البيعة، وأسلموا مسلما فقتل بينهم غريبا مظلوما، وحيدا شهيدا، وخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام ففعلوا به ما لم يفعلوه