المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٨
للتقية التي كانوا عليها، والحال التي آل أمرهم بعد النبي صلى الله عليه وآله إليها، فهو في ذلك كأبيه أمير المؤمنين حيث يقول: وصفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء - إلى أن قال: - فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شذى، أرى تراثي نهبا. (1)
(1) فلقد صبرأمير المؤمنين عليه السلام على اغتصاب الخلافة وظلم الزهراء عليها السلام وتحريف دين الله وسنة نبيه، ولذا جاءت خطبته الشقشقية تعبيرا عن حالة الظلم التي تعرض لها البيت النبوي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله، ونظرا لأهمية الخطبة نحن نوردها كاملة.
يقول الإمام علي عليه السلام: (أما والله لقد تقمصها فلان (وفي نسخة ابن أبي قحافة) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا. ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا. وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه! فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى فلان (وفي نسخة ابن الخطاب) بعده. ثم تمثل بقول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته - لشد ما تشطرا ضرعيها! - فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس - لعمر الله - بخبط وشماس. وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة. وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم. فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!
لكني أسففت إذ أسفوا. وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته!
فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم. فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون: كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين) بلى! والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها!
أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم. ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز! انظر: شرح نهج البلاغة لمحمد عبدة 1: 34 (الخطبة الشقشقية).