الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) * (1).
وجه الدلالة: أن الخطاب للصحابة، وأقل الجمع ثلاثة، ووعد الله حق، فوجب أن يوجد في جماعة منهم خلافة يتمكن بها الدين، ولم يوجد على هذه الصفة إلا خلافة الخلفاء الأربعة، وهو المطلوب، فهي التي وعد الله تعالى.
أجيب عنه: بأن استدلالهم مبني على جعل الخلافة بمعنى الإمامة، وهو ممنوع، ولعل المعنى بقاؤهم في أثر من مضى من الفرق، وجعلهم عوضا منهم وخلفا، ومن ذلك، ومن ذلك قوله تعالى * (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) * (2) وقوله تعالى * (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) * (3) وقوله تعالى * (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء) * (4) وهذا الاستخلاف والتمكين في الدين لم يتأخر إلى أيام أبي بكر وعمر، بل كان في أيام النبي (صلى الله عليه وآله) حين قمع الله أعداءه وأكمل دينه، ونعوذ بالله من أن نقول إن الله لم يمكن دينه لنبيه (صلى الله عليه وآله) ثم تلافاه متلاف بعد وفاته.
وليس كل التمكين هو كثرة الفتوح والغلبة على البلدان، لأن ذلك يوجب أن دين الله لم يتمكن إلى اليوم، لعلمنا ببقاء ممالك الكفر كثيرة لم يفتحها المسلمون.
وأيضا لزم أن يكون التمكين في زمان معاوية ومن بعده من بني أمية أكثر من تمكينه في أيام النبي (صلى الله عليه وآله) والخلفاء، لأنهم فتحوا بلادا لم تفتح قبل، ويؤيد كون المقصود من الاستخلاف المعنى الذي ذكرنا لا المعنى الذي ذكروه عموم الدين في الآية.