عن الأدناس والذنوب، قد تقدم الكلام فيه في الفواتح (1) وذكرت هناك أن مثل هذا كثير في كلام أئمتنا سلام الله عليهم، كما نقل عن الكاظم عليه السلام أنه كان يقول في سجدة الشكر: " رب عصيتك بلساني، ولو شئت وعزتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني " (2) إلى آخر الدعاء.
بل وقع مثل ذلك في كلام سيد المرسلين وأشرف الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله الطاهرين كما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) (3) وقد قلنا هناك: إن النبي صلى الله عليه وآله، وكذلك المعصومين من عترته سلام الله عليهم، لغاية اهتمامهم باستغراق أوقاتهم في الإقبال على الله سبحانه، والإعراض عما عداه، وانجذابهم بكليتهم إلى جنابه جل شأنه، وترك ما سواه، كانوا يعدون صرف لمحة من اللمحات في الأشغال البدنية، واللوازم البشرية من المأكل والمشرب والمنكح، وأمثالها من المباحات، نقصا وانحطاطا، ويسمون توجه البال في آن من الآنات إلى شئ من هذه الحظوظ الدنيوية إثما وعصيانا وذنبا، ويستغفرون الله تعالى منه.
وقد سلك على منوالهم، واقتدى بأقوالهم، وأفعالهم، المتألهون والعرفاء من أصحاب الحقيقة، الذين نفضوا عن [29 / أ] ذيول سرائرهم غبار هذه الخربة الدنية، وكحلوا عيون بصائرهم بكحل الحكمة النبوية.
وأما نحن معاشر القاصرين عن الارتقاء إلى هذه الدرج العلية والمحجوبين عن سعادة الاعتلاء على تلك المراتب السنية، فلا مندوحة لنا عن جعل عظائم