لمخالفكم كما هو معلوم، لأن الخبر المتواتر لا يختص به فريق دون فريق، لا يقال: لو كان موضوعا لاشتهر واضعه، لأنا نمنع هذه الدعوى، وكم موضوع لم يشتهر، وكم من مشهور لم يقع. ثم هذه الدعوى منقوضة بكثير من المذاهب التي تحكى في الكتب، ولا يعلم ناقلها. وبكثير من الصنائع التي تمس الحاجة إليها، فإنه لا يعلم مبتكرها. ولأن واضعها لو اشتهر بوضعها لنقض غرضه في الاستدلال بها، فيكون إخفاء واضعها متمما لمقصوده. لا يقال: المخالف يعرف النص المتواتر كما يعرفه الإمامي، لكنه مكابر، لأن لقائل أن يتخلص من ذلك بأن يحلف بالأيمان التي لا مخرج منها أنه لم يعلم ذلك.
والوجه الثاني: لو نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على علي - عليه السلام - لكان مع ذلك إما أظهره لعدد التواتر أو لم يظهره لمثل ذلك العدد، ويلزم من الأول أن يخفى بين الصحابة حكم ضروري من الدين، وهو مستبعد وأن (79) يكونوا قد تمالؤوا على جحد ما علموه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن يلزم من ذلك أن يكونوا بأجمعهم كفرة لا مسلمين، وارتكاب ذلك من أعظم المناكير، وإن لم يكن أظهره إلى حد التواتر لم يكن مفيدا للعلم، فلا يجوز التمسك به في مسألة علمية.
[الوجه] الثالث: لو كان النص حقا لاشتهر بين الصحابة لتعذر كتمانه بينهم، ولأحتج علي - عليه السلام - به، فإنه - عليه السلام - احتج بما هو من أبواب الظنون في إفادة منصب الإمامة، وبما يستفاد به رفع المنزلة والقرب من الرسول - عليه السلام -، فكيف كان يهمل الاحتجاج بالنص، وهو الحجة القاطعة الدالة على كل فضيلة.