لأن الفعل لا يكون بداء إلا أن يكون المأمور به هو المنهي عنه بعينه، وأن يكون المكلف واحدا، والوقت واحدا، والوجه واحدا، لأنه لا وجه للنهي عن المأمور به مع تكامل الشرائط المذكورة إلا أن الآمر ظهر له ما كان مستترا، وهذا مستحيل فيه تعالى، لكونه عالما لنفسه، ومتى اختل شرط واحد لم يكن بداء بغير شبهة، بل تكليف حسن.
وما أتى به نبينا عليه السلام ليس ببداء، لأن المنهي عنه به عليه السلام غير المأمور به موسى، والمكلف غير المكلف، والوقت غير الوقت، والوجه والصفة غير الوجه والصفة، وإنما هو تكليف اقتضت المصلحة بيانه.
وقد بينا أن الوجه في البعثة بيان المصالح من المفاسد، وما هو كذلك موقوف على ما يعلمه سبحانه، فمتى علم اختصاص المصلحة بفعل أو ترك مدة، وكون ذلك بعد انقضائها مفسدة أو لا مصلحة فيه، فلا بد من اختصاص المصلحة بفعل أو ترك مدة، وكون ذلك بعد انقضائها مفسدة أو لا مصلحة فيه، فلا بد من إسقاطه، وإلا كان نبوته مفسدة أو ظلما لا يجوزان عليه سبحانه.
ولذلك متى علم سبحانه في عمل معين كونه مصلحة لمكلف ومفسدة لآخر وجب أمر أحدها به ونهي الآخر عنه، وإن علم في فعل معين كونه مصلحة لمكلف وفي فعل آخر مفسدة له فلا بد من أمره بأحدهما ونهيه عن الآخر، وإن علم أن الفعل في وقت مصلحة وفي آخر مفسدة فلا بد من أمره به في وقت المصلحة ونهيه عن مثله في وقت المفسدة، وإن علم أن إيقاع الفعل على وجه يكون مصلحة وعلى آخر يكون مفسدة فلا بد من الأمر بإيقاعه على وجه المصلحة والنهي عن وجه المفسدة.
الدلالة على حسن التكليف مع هذه الوجوه قبح ذم من كلف مع تكاملها أو بعضها، ولأن تجويز قبح التكليف والحال هذه ينقض النبوات، لأنه لا وجه لها إلا ما ذكرناه، ولا انفصال من الملحدة والبراهمة فيما يقدحون به - من اختصاص