وقد قيل في قوله عز وجل: إلا إبليس كان من الجن، إنه عنى الملائكة، قال أبو إسحق: في سياق الآية دليل على أن إبليس أمر بالسجود مع الملائكة، قال: وأكثر ما جاء في التفسير أن إبليس من غير الملائكة، وقد ذكر الله تعالى ذلك فقال: كان من الجن، وقيل أيضا: إن إبليس من الجن بمنزلة آدم من الإنس، وقد قيل: إن الجن ضرب من الملائكة كانوا خزان الأرض، وقيل: خزان الجنان، فإن قال قائل: كيف استثنى مع ذكر الملائكة فقال: فسجدوا إلا إبليس، كيف وقع الاستثناء وهو ليس من الأول؟
فالجواب في هذا: أنه أمره معهم بالسجود فاستثنى مع أنه لم يسجد، والدليل على ذلك أن تقول أمرت عبدي وإخوتي فأطاعوني إلا عبدي، وكذلك قوله تعالى: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين، فرب العالمين ليس من الأول، لا يقد أحد أن يعرف من معنى الكلام غير هذا، قال: ويصلح الوقف على قوله رب العالمين لأنه رأس آية، ولا يحسن أن ما بعده صفة له وهو في موضع نصب. ولا جن بهذا الأمر أي لا خفاء، قال الهذلي:
ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر فأما قول الهذلي:
أجني، كلما ذكرت كليب، أبيت كأنني أكوى بجمر.
فقيل: أراد بجدي، وذلك أن لفظ ج ن إنما هو موضوع للتستر على ما تقدم، وإنما عبر عنه بجني لأن الجد مما يلابس الفكر ويجنه القلب، فكأن النفس مجنة له ومنطوية عليه. وقالت امرأة عبد الله بن مسعود له: أجنك من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال أبو عبيد: قال الكسائي وغيره معناه من أجل أنك فتركت من، والعرب تفعل ذلك تدع من مع أجل، كما يقال فعلت ذلك أجلك وإجلك، بمعنى من أجلك، قال: وقولها أجنك، حذفت الألف واللام وألقيت فتحة الهمزة على الجيم كما قال الله عز وجل: لكنا هو الله ربي، يقال: إن معناه لكن أنا هو الله ربي فحذف الألف، والتقى نونان فجاء التشديد، كما قال الشاعر أنشده الكسائي:
لهنك من عبسية لوسيمة على هنوات كاذب من يقولها أراد لله إنك، فحذف إحدى اللامين من لله، وحذف الألف من إنك، كذلك حذفت اللام من أجل والهمزة من إن، أبو عبيد في قول عدي ابن زيد:
أجل أن الله قد فضلكم، فوق من أحكى بصلب وإزار.
الأزهري قال: ويقال أجل وهو أحب إلي، أراد من أجل، ويروى:
فوق من أحكأ صلبا بإزار.
أراد بالصلب الحسب، وبالإزار العفة، وقيل: في قولهم أجنك كذا أي من أجل أنك فحذفوا الألف واللام اختصارا، ونقلوا كسرة اللام إلى الجيم، قال الشاعر:
أجنك عندي أحسن الناس كلهم، وأنك ذات الخال والحبرات.
وجن الشباب: أوله، وقيل: جدته ونشاطه. ويقال: كان ذلك في جن صباه أي في حداثته، وكذلك جن كل شئ أول شداته، وجن المرح كذلك، فأما قوله: