والفرات، وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ، جعلهما مؤمنين على التشبيه لأنهما يفيضان على الأرض فيسقيان الحرث بلا مؤونة، وجعل الآخرين كافرين لأنهما لا يسقيان ولا ينتفع بهما إلا بمؤونة وكلفة، فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين، وهذان في قلة النفع كالكافرين. وفي الحديث: لا يزني الزاني وهو مؤمن، قيل: معناه النهي وإن كان في صورة الخبر، والأصل حذف الياء من يزني أي لا يزن المؤمن ولا يسرق ولا يشرب، فإن هذه الأفعال لا تليق بالمؤمنين، وقيل: هو وعيد يقصد به الردع، كقوله عليه السلام: لا إيمان لمن لا أمانة له، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وقيل: معناه لا يزني وهو كامل الإيمان، وقيل: معناه أن الهوى يغطي الإيمان، فصاحب الهوى لا يزني إلا هواه ولا ينظر إلى إيمانه الناهي له عن ارتكاب الفاحشة، فكأن الإيمان في تلك الحالة قد انعدم، قال: وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: الإيمان نزه، فإذا أذنب العبد فارقه، ومنه الحديث: إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان، قال: وكل هذا محمول على المجاز ونفي الكمال دون الحقيقة ورفع الإيمان وإبطاله. وفي حديث الجارية: أعتقها فإنها مؤمنة، إنما حكم بإيمانها بمجرد سؤاله إياها: أين الله؟ وإشارتها إلى السماء، وبقوله لها: من أنا؟
فأشارت إليه وإلى السماء، يعني أنت رسول الله، وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان دون الإقرار بالشهادتين والتبري من سائر الأديان، وإنما حكم عليه السلام بذلك لأنه رأى منها أمارة الإسلام وكونها بين المسلمين وتحت رق المسلم، وهذا القدر يكفي علما لذلك، فإن الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على قوله إني مسلم حتى يصف الإسلام بكماله وشرائطه، فإذا جاءنا من نجهل حاله في الكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه، فإذا كان عليه أمارة الإسلام من هيئة وشارة ودار كان قبول قوله أولى، بل يحكم عليه بالإسلام وإن لم يقل شيئا. وفي حديث عقبة بن عامر: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص، كأن هذا إشارة إلى جماعة آمنوا معه خوفا من السيف وأن عمرا كان مخلصا في إيمانه، وهذا من العام الذي يراد به الخاص. وفي الحديث: ما من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي أي آمنوا عند معاينة ما آتاهم من الآيات والمعجزات، وأراد بالوحي إعجاز القرآن الذي خص به، فإنه ليس شئ من كتب الله المنزلة كان معجزا إلا القرآن. وفي الحديث: من حلف بالأمانة فليس منا، قال ابن الأثير: يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته، والأمانة أمر من أموره، فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله، كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم. وإذا قال الحالف: وأمانة الله، كانت يمينا عند أبي حنيفة، والشافعي لا يعدها يمينا. وفي الحديث:
أستودع الله دينك وأمانتك أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم، ومالك الذي تودعه وتستحفظه أمينك ووكيلك. والأمين: القوي لأنه يوثق بقوته. وناقة أمون: أمينة وثيقة الخلق، قد أمنت أن تكون ضعيفة، وهي التي أمنت العثار والإعياء، والجمع أمن، قال: وهذا فعول جاء في موضع