فتصبح الأرض مخضرة) 1، فإن اخضرا الأرض، يبتدئ بعد نزول المطر، لكن يتم في مدة ومهلة، فجئ بالفاء، نظرا إلى أنه لا فصل بين نزول المطر وابتداء الاخضرار، ولو قال: ثم تصبح، نظرا إلى تمام الاخضرار، جاز، وكذا قوله تعالى:
(ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة) 2، نظرا إلى تمام صيرورتها علقة، ثم قال:
(فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما)، نظرا إلى ابتداء كل طور، ثم قال: (ثم أنشأناه خلقا آخر)، إما نظرا إلى تمام الطور الأخير، وإما استبعادا لمرتبة هذا الطور الذي فيه كمال الانسانية، من الأطوار المتقدمة، قوله: (وثم مثلها بمهلة)، أي مثل الفاء في الترتيب، إلا أنها تختص بالمهلة والتراخي، ومن ثم قال سيبويه في: مررت بزيد ثم عمرو: ان المرور: مروران 3، ولا تكون إلا عاطفة، ولا تكون للسببية، إذ لا يتراخى المسبب عن السبب التام، ولا تعطف المفصل على المجمل كالفاء، وقد تجئ في الجمل خاصة، لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها، وعدم مناسبته له كما ذكرنا في قوله تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر)، وكقوله تعالى: (خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) 4، فالاشراك بخالق السماوات والأرض مستبعد، غير مناسب وهذا المعنى: فرع التراخي ومجازه، وكذا في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة) ثم قال:
(ثم كان من الذين آمنوا) 5، فإن الأيمان بعيد المنزلة من فك الرقبة، والأطعام، بل لا نسبة بينه وبينهما، وكذا قوله (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) 6، فإن بين توبة العبد، وهي انقطاع العبد إليه بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيدا، ،