فازدرى الأعرابي نفسه (1) وقال: هو لا يأتي ويأمر صبيا يكلمني؟! قال: " إنك ستجده عالما بما تريد " فابتدر الحسن فقال: " مهلا يا أعرابي " ما غبيا سألت وبن غبي * بل فقيها إذن وأنت الجهول فإن تك قد جهلت فإن عندي * شفاء الجهل ما سأل السؤول وبحرا لا تقسمه الدوالي * تراثا كان أورثه الرسول لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك وخادعتك نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن إن شاء الله تعالى " فتبسم الأعرابي وقال: هيهات.
فقال له الحسن (عليه السلام): " قد إجتمعتم في نادي قومك، وقد تذاكرتم ما جرى بينكم على جهل، وخرق منكم فزعمتم أن محمدا صنبور (2)، والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثاره، وزعمت أنك قاتله وكاف قومك مؤونته، فحملت نفسك على ذلك وقد أخذت قضاتك (3) بيدك تؤمه وتريد قتله، تعسر عليك مسلكك، وعمى عليك بصرك وأبيت إلا ذلك فأتيتنا خوفا من أن يستهزؤا بك، وإنما جئت لخير يراد بك.
أنبئك عن سفرك: خرجت في ليلة ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة اشتد منها ظلماؤها وأطبقت سماؤها وأعصر سحابها وبقيت محر نجما كالأشقر إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر، لا تسمع لواطئ حسا، ولا لنافخ خرسا تدالت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجة وتهبط لجة بعد لجة في ديمومة قفر، بعيدة القعر، مجحفة بالسفر، إذا علوت مصعدا وأرادت الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريح عاصف وبرق خاطف، قد