القدر والاستطاعة [١٩٤] - ٢ - قال الحراني:
كتب الحسن بن أبي الحسن البصري، إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة والأعلام النيرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون. كتبت إليك يا بن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأى آبائك (عليهم السلام)؟ فإن من علم الله علمكم وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم، ﴿ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾ (1)، فأجابه الحسن (عليه السلام):
بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلي كتابك ولو لا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك.
أما بعد، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر، إن الله لم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييرا ونهاهم تحذيرا فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادا وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا ولا ألزموها كرها بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبرا لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ولا جبرا لهم على ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم