شئتم فامتحنوا أبا جعفر، فإن كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم، وإن كان الأمر على ما وصفت علمت أن الرجل خلف منكم.
قالوا له: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.
فقال لهم المأمون: شأنكم وذاك متى أردتم، فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاة على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك.
واجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم، فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر (عليه السلام) دست (1)، ويجعل له فيه مسورتان (2)، ففعل ذلك، وخرج أبو جعفر (عليه السلام) [وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر]، فجلس بين المسورتين، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم، والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (عليه السلام).
فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسأل أبا جعفر.
فقال له المأمون: استأذنه في ذلك.
فأقبل عليه يحيى بن أكثم، فقال؛ أتأذن لي - جعلت فداك - في مسألة؟
قال له أبو جعفر (عليه السلام): " سل إن شئت ".