فقال: ما تعرف من العلوم.
قال: " سلني عن أخبار السماوات ".
فودعه ومضى، وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد، فلما بعد عنه نهض عن يده الباز، فنظر يمينه وشماله لم ير صيدا والباز يثب عن يده، فأرسله وطار يطلب الأفق حتى غاب عن ناظره ساعة، ثم عاد إليه وقد صاد حية، فوضع الحية في بيت الطعم، وقال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي.
ثم عاد وابن الرضا في جملة الصبيان، فقال: ما عندك من أخبار السماوات؟
فقال: " نعم يا أمير المؤمنين، حدثني أبي، عن آبائه، عن النبي، عن جبرئيل، عن رب العالمين أنه قال: بين السماء والهواء بحر عجاج، يتلاطم به الأمواج، فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، يمتحن بها العلماء ".
فقال: صدقت وصدق آباؤك وصدق جدك وصدق ربك، فأركبه ثم زوجه أم الفضل (1).
وينبهر المأمون بعلم الإمام الجواد، وشدة نباهته، وحسن خلقه، وبلاغة منطقه. فالمأمون كان متأدبا ذا ثقافة وعلم؛ لكن شهوة الملك، وحب الدنيا وتعلقه بها، أنسته الآخرة، وأوقعته في حبائل الشيطان. ويقرر أخيرا، وفي مناورة منه، أن يزوجه ابنته أم الفضل، ظانا أنها ستشغفه حبا فيلهو بها وينصرف عن مقاصده، خاصة وأنه أسكنه ضمن قصوره، وبذل له من المال والخدم والحشم ما الله يعلمه.
فقد عاش الإمام في ظل رعاية المأمون في غاية الرفاه ونعومة العيش، وانعكس